إعداد: أ. د. وليد عبد الحي.[1]
(خاص بمركز الزيتونة).
مقدمة:
شكلت سنة 1979 نقطة تحول كبرى في منطقة الشرق الأوسط، ففي هذه السنة تتابعت التحولات الاستراتيجية في المنطقة لتفرز ملامح جديدة في الواقع الجيو-استراتيجي للمنطقة، وتشابكت خيوط النسيج الجديد محلياً وإقليمياً ودولياً، وكان التشابك سياسياً واقتصادياً وأمنياً واجتماعياً وثقافياً، ويكفي التأمل في الملامح التالية لسنة 1979:
1. قامت الثورة الإيرانية في شباط/ فبراير 1979، وكان لها عميق الأثر في تأجيج الحس الديني الثوري لكنها دفعت أطرافاً مختلفة لإيقاظ الانشطار الشيعي السني من ناحية، والفارسي العربي من ناحية ثانية، وتحولت إيران من دولة ذات علاقات استراتيجية مع الغرب و”إسرائيل” إلى إحدى المشكلات الاستراتيجية لهذين الطرفين.
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة علمية: الآفاق المستقبلية للعلاقات الإيرانية السعودية … أ. د. وليد عبد الحي (33 صفحة، 4.3 MB) |
2. التوصل لأول معاهدة “سلام” عربية إسرائيلية بين مصر و”إسرائيل” في آذار/ مارس 1979، أي بعد شهر من الثورة الإيرانية، وهو الأمر الذي شكَّل صدمة حادة لإرث سياسي ووجدان شعبي قام على مسلمة الصراع الأبدي مع الكيان الصهيوني، بكل ما يحمله هذا الوجدان من وازع ديني وحقوق تاريخية للعرب في فلسطين، وشكَّلت هذه المعاهدة نقطة تحول في المنظور العربي للصراع العربي الإسرائيلي. وتوالت عمليات التطبيع وفتح السفارات مع “إسرائيل” في كل من المغرب العربي والمشرق العربي، وهو ما انعكس على المقاومة الفلسطينية بتضييق ميدان نشاطها العربي، بل وفتح المجال لاتساع العلاقات الإسرائيلية مع عدد من دول العالم خصوصاً في إفريقيا.
3. تولي صدام حسين الرئاسة في العراق في تموز/ يوليو 1979 خلفاً لأحمد حسن البكر، أي بعد خمسة شهور من قيام الثورة الإيرانية، وبعد أربعة شهور من المعاهدة المصرية الإسرائيلية، وقد أدى هذا التغير في رأس السلطة العراقية إلى نشوب سلسلة حروب مع إيران ومع الكويت ومع تحالف غربي وبعض العرب ضدّ العراق، انتهت إلى عدم استقرار سياسي في العراق والمنطقة بكاملها إلى جانب إعدام صدام حسين.
4. وقوع محاولة جهيمان العتيبي في تشرين الثاني/ نوفمبر 1979 للانقلاب في السعودية، في المعركة التي جرت داخل الكعبة، وأسست لنزعة مهدوية إسلامية تحرق المراحل من ناحية، وغذَّت تياراً معيناً في الطيف السياسي الإسلامي من ناحية ثانية، مما زاد من عمق الاضطراب في المنطقة من ناحية ثالثة، ناهيك عن تعميق هواجس أمنية داخل النظام السياسي السعودي نفسه.
5. دخول الاتحاد السوفييتي إلى أفغانستان في كانون الأول/ ديسمبر 1979، وهو ما قلَّص المسافة الفاصلة إلى حدّ بعيد بين الولايات المتحدة والحركات الدينية العربية خصوصاً، مع أن الاتحاد السوفييتي كان يضم ست جمهوريات إسلامية. وأجَّج الدخول السوفييتي الوهم بأن الصراع هو فقط بين أهل الإيمان (الأديان)، وبين الكفر والإلحاد (الاتحاد السوفييتي)، وليس صراعاً على البترول والموقع الاستراتيجي وعلى الأسواق. واستثمر الغرب و”إسرائيل” هذا الحدث لجذب القوى الإقليمية والمجتمع العربي خصوصاً نحو صراع يجعل من الصراع العربي الصهيوني أقل مركزية في خريطة الاستراتيجيات الإقليمية والدولية، وقد شكَّلت السعودية قوة أساسية في الدفع في هذا الاتجاه وتغذيته.
وفي كلّ تحول من التحولات الخمس السابقة، كان الموقف الخليجي بشكل عام والسعودي بشكل خاص على تناقض تام مع الموقف الإيراني، وهو ما أسس لصراع شامل بين دول مجلس التعاون الخليجي من ناحية وبين إيران من ناحية أخرى. ولم يكن إنشاء مجلس التعاون الخليجي سنة 1981 بمعزل عن هذه الظواهر خصوصاً الثورة الإيرانية، والإسهام العربي في حرب أفغانستان ضدّ القوات السوفييتية، وأصبح كل طرف (دول الخليج وإيران) يغذي معارضة الطرف الآخر، مع تباين في حدة الصراع بين إيران وكل دولة من دول الخليج. وازدادت الخريطة تعقيداً مع توظيف الإرث الثقافي التاريخي عبر المذاهب خصوصاً ثنائية الشيعة والسنة، وتغذت الوقائع الخمس التي أشرنا لها على بعضها البعض، ولم يعد بالإمكان فهم ملابسات الصراعات في المنطقة بمعزل عن هذه التشابكات بين الظواهر الخمس المركزية.
التنازع على الدولة الإقليمية القائد:
تميل أدبيات العلاقات الدولية إلى فرضية جيو-استراتيجية هي أن أحد عوامل عدم الاستقرار الإقليمية هو تنافس القوى الإقليمية المتقاربة في القوة على من يكون الدولة المركز للإقليم،[2] ولعل معاينة الوضع في النظام الإقليمي الفرعي في الخليج يعزز هذه الفرضية عبر استخدام دول الإقليم الكبرى الأدوات المتاحة لتكريس المكانة المركزية في الإقليم في مواجهة القوى الإقليمية المقاربة لها في القوة.
مركزية المملكة العربية السعودية:
إذا نظرنا إلى دول مجلس التعاون الخليجي العربي كنظام إقليمي فرعي، فإن السعودية تمثل مركز هذا النظام الفرعي، إذ تتفوق السعودية على بقية أعضاء المجلس بعدد السكان، والمساحة وإجمالي الناتج المحلي اقتصادياً، وحجم احتياطها النفطي، وبالقوة العسكرية والمكانة الدينية، بل وبموقعها الاستراتيجي من خلال جوارها الحدودي البري مع سبع دول هي العراق، والأردن، والكويت، والإمارات العربية، وسلطنة عُمان، وقطر، واليمن، ومشاركتها حدوداً بحرية مع خمس دول هي مصر، والسودان، وإريتريا في البحر الأحمر، وإيران والبحرين في الخليج العربي.
وشكَّلت الثورة الإيرانية والظواهر الأخرى في سنة 1979 عامل توجس عميق في السياسة السعودية، لكن الهدف الاستراتيجي للمملكة السعودية كان بشكل محدد هو “محاصرة تداعيات الثورة الإيرانية”، فكان الدعم السخي للعراق خلال الحرب مع إيران، وتكريس الأدوات الإعلامية المقروءة والمسموعة والمرئية لثنائية التشيع والتسنن، بل وتوظيف “العروبة في مواجهة الفارسية”. ويبدو أن تنامي النزعة السياسية الدينية في المجتمع السعودي بشكل خاص والمجتمع العربي بشكل عام أثار الهواجس العميقة من احتمال تأثير ذلك على “مركزية العائلة الحاكمة” في السعودية بشكل خاص والخليج بشكل عام، خصوصاً بعد أن رحَّبت قوى إسلامية عربية، خصوصاً حركة الإخوان المسلمين، بالثورة الإيرانية خصوصاً في بداياتها،[3] لا سيّما وأن لهذه الحركة جمهورها ونخبتها في المجتمع السعودي، وهو ما أسس لوضع قاعدة التنافس بين إيران والسعودية، وأصبحت السعودية ترى في أي نشاط ديبلوماسي أو غيره من إيران هو محاولة لزعزعة استقرارها سواء من طرف إيران مباشرة أم من قوى متحالفة مع إيران في المنطقة.
ذلك يعني أن قاعدة التصادم بين إيران والسعودية من منظور سعودي تقوم على بُعدين هما: الاعتقاد السعودي بتهديد إيران لمركزية العائلة الحاكمة في السعودية، من خلال نشر النموذج الإيراني الثوري الذي يجسده نموذج “تصدير الثورة” في الذهن السعودي.[4] أما البُعد الثاني فهو التنافس على مركزية المكانة الإقليمية لكل منهما، وهو ما تمت الإشارة له بوضوح في خطة 2030 السعودية،[5] وخطة 2025 الإيرانية كما سنوضح لاحقاً، لأن من يفوز بهذه المكانة سيكون هو الأقدر على تكييف سياسات القوى الإقليمية لصالحه من ناحية، والقدرة على تحويل مكانته إلى عنصر جذب لتكييف سياسات القوى القطبية الدولية لصالحه بفعل مركزيته الإقليمية.
مركزية إيران:
تشير الوثائق الإيرانية الرسمية والدراسات العلمية الأكاديمية الإيرانية إلى نزعة واضحة لإيران لأن تكون “القطب الإقليمي” في الشرق الأوسط، وهي توظف كل إمكاناتها وتبني استراتيجياتها محلياً وإقليمياً ودولياً لتحقيق هذا الهدف، بكل ما يترتب عليه من نتائج طويلة وعميقة الأثر. ولعل الوثيقة المستقبلية التي وضعها مجلس تشخيص مصلحة النظام الإيراني تحت اسم “رؤية 2025” تعزز هذا النزوع، إذ تشير الوثيقة إلى أن إيران تطمح لأن تكون القائد للمنطقة في سنة 2025.[6]
ويجد هذا النزوع الايراني، المتكئ على حسّ تاريخي بحضارة فارسية، وبخصوصية إسلامية قوامها التشيع الثوري، تعبيراته في كتابات النخبة الفكرية الإيرانية المساندة في اتجاهاتها العامة للثورة الإيرانية المعاصرة.[7]
وتشعر إيران أن القوى الغربية خصوصاً منذ إجهاض حركة مصدق تعمل على خيارين هما: إما أن تكون إيران مرتبطة وبشكل وثيق باستراتيجيات الدول الغربية، وبالتالي تعمل هذه الدول على تكريس مركزية إيران في المنطقة وخصوصاً في الخليج لصالحها، أو إجهاض أي سعي إيراني لاحتلال موقع القطب الإقليمي، طالما أن هذا السعي ينطوي على تناقض مع المصالح الغربية.
من جانب آخر، فإن الوعي السياسي الإيراني من ناحية، والعقل الباطن السياسي الإيراني من ناحية ثانية، ينطويان على شكوك عميقة في مدى قدرة الإدارة السعودية على التحلل من التأثير الأمريكي على القرار السعودي، خصوصاً في القضايا التي تمس المصالح الاستراتيجية العليا الأمريكية، ويتعزز هذا الجانب لدى الإيرانيين في عمق التغلغل الأمريكي في هياكل الدولة السعودية، ناهيك عن الوجود العسكري الأمريكي في السعودية وبقية دول الخليج. وتعمقت هذه الجوانب بعد تزايد التطبيع وفتح السفارات الإسرائيلية في دول الخليج، وفتح المجال الجوي لبعضها ومنها السعودية، لدخول الإسرائيليين وعبور الطيران المدني الإسرائيلي للأجواء السعودية، ناهيك عما يضخه الإعلام الغربي والإسرائيلي عن تنامي نزعة التقارب السعودي الإسرائيلي، وهو ما ترى فيه إيران تقويضاً مسبقاً لكل نزوع إيراني للوصول إلى مكانة القطب الإقليمي.[8]
ولعل الإشارة في تصريحات وزير الخارجية السعودي إلى أن العلاقة السعودية الإيرانية يجب أن تقوم على أساس “الاحترام المتبادل، وعدم تدخل البلدين في الشأن الداخلي لكل منهما، واحترام ميثاق الأمم المتحدة”،[9] تنطوي على إشارة للهواجس الكامنة.
الصراع بين المركزيتين:
إن مراجعة العلاقات السعودية الإيرانية منذ سنة 1979 إلى الآن تشير إلى الآتي (انظر التفاصيل في جدول رقم 1):
إن العلاقة بين الطرفين هي علاقة غير خطية Non linear، إذ تشير اتجاهات العلاقة بينهما منذ سنة 1979 إلى 2023 (44 سنة) إلى ما يلي:
• ارتباك كامل في العلاقة بين الدولتين بقطع العلاقات وعودتها، فقد بلغت مدة العلاقات الديبلوماسية المقطوعة 11 سنة، منها أربع سنوات في الفترة 1987-1991، وسبع سنوات في الفترة 2016-2023، أي إن فترة قطع العلاقات شكلت ما نسبته سنة قطيعة خلال كل أربع سنوات علاقة خلال الفترة الممتدة من الثورة الإيرانية إلى الآن.
• التباين في مواقف البلدين من كل القضايا في المنطقة: العراق، واليمن، وفلسطين، ولبنان، وسورية، والموقف من أمريكا، والتباين المذهبي والحروب الإعلامية، وقضايا الحُجَّاج،…إلخ.
• زار ثلاثة رؤساء إيرانيون؛ هاشمي رفسنجاني، ومحمد خاتمي، وأحمدي نجاد، السعودية، بينما لم يقم أي ملك سعودي بزيارة طهران، أي أن مبادرات التواصل تأتي من الجهات العليا في النظام السياسي الإيراني، وثمة “وعد” بزيارة الملك سلمان لطهران بعد الاتفاق الذي رعته الصين بين الدولتين.
• خلال الفترة 1995-2020 كان معدل التراجع في التجارة البينية السعودية الإيرانية 19.5% سنوياً.
جدول رقم 1: العلاقات الإيرانية السعودية خلال الفترة 1979-2023
السنة | العلاقة بين الطرفين |
1980 | دعوات سعودية لإنهاء الحرب بين العراق وإيران، مع تأييد ضمني للعراق تطور فيما بعد إلى شبه علني، يقابله أدبيات سياسية إيرانية تحريضية. |
1985 | اتهامات إيرانية للسعودية بإغراق الأسواق النفطية للضغط على إيران. |
1986 | زار وزيرا خارجية البلدين البلد الآخر. |
1987 | مواجهات بين الأمن السعودي والحُجَّاج الإيرانيين ومقتل نحو 400 منهم. |
1988 | قيام السعودية بقطع علاقاتها الديبلوماسية مع طهران (مشكلة الحُجَّاج). |
1989 | إجراء محادثات سرية بين البلدين في سويسرا، ومشاركة إيران في المؤتمر الإسلامي في جدة. |
1991 | أعيدت العلاقات الديبلوماسية بعد 4 أعوام تقريباً. |
1992 | وفد تجاري إيراني يزور السعودية. |
1997 | إعادة تشغيل خط الطيران المباشر بين البلدين، ومشاركة السعودية في القمة الإسلامية في طهران. |
1997 | زيارة وزراء الدفاع والخارجية والداخلية السعوديين لإيران بشكل منفرد. |
1998 | زيارة هاشمي رفسنجاني للسعودية، وتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة برئاسة وزيرَي خارجية البلدين. |
1999 | زيارة خاتمي للسعودية. |
2001 | توقيع اتفاقيات أمنية بين البلدين. |
2002 | زيارة ثانية لخاتمي للسعودية. |
2006 | استضافت السعودية مؤتمراً في مكة حضره علماء سنة وشيعة، ودعوا في بيانهم الشيعة والسنة في العراق لعدم إراقة الدم أو التهجير أو تدمير المساجد أو البيوت. |
2007 | زيارة الرئيس نجاد للسعودية. |
2015 | التدخل السعودي في اليمن، في مقابل الدعم الإيراني للحوثيين، وتعهد محمد بن سلمان بنقل المعركة إلى قلب إيران لاحقاً. |
2016 | قطع العلاقات الديبلوماسية مرة أخرى. |
2023 | إعادة العلاقات الديبلوماسية، والتعهد بتفعيل الاتفاقيات الأمنية والاقتصادية بين البلدين، وتبادل الزيارات بين وزراء الخارجية في البلدين. |
المتغير الصيني في العلاقة بين الطرفين:
من غير الممكن فصل الدور الصيني في ترتيب الاتفاق السعودي الإيراني مؤخراً عن محددات السياسة الخارجية الصينية في الشرق الأوسط (أو غرب آسيا، كما يطلق عليه الصينيون):
1. البراجماتية الصينية: بعد وفاة الزعيم الصيني ماوتسي تونغ Mao Zedong سنة 1976، ثم تولي التيار الإصلاحي السلطة سنة 1978، تمّ في المؤتمر الحادي عشر للحزب الشيوعي الصيني طرح شعار سياسي هو “ليس المهم لون القط بل المهم أن يصطاد الفئران”؛ وهو الشعار الذي يشي بنزعة براجماتية واضحة وبالتحلل التدريجي من التزمت الأيديولوجي، وبالميل التدريجي نحو تحويل العلاقات الدولية من منظورها الصفري إلى منظورها غير الصفري Zero sum-game to Non zero sum-gam. وهو ما يتضح في أن الولايات المتحدة هي الشريك التجاري الأول للصين على الرغم من عمق التباينات السياسية بينهما. ذلك يعني أن الصين سعت لتحويل العلاقة السعودية الإيرانية إلى النمط غير الصفري (أي الذي لا ينكر التناقضات لكنه يخففها من خلال توسيع دائرة المصالح المشتركة).[10]
2. أهمية كلّ من السعودية وإيران لمشروع الحزام والطريق Belt and Road Initiative، والحاجة الصينية لبيئة أمنية عبر هذا المشروع. وتحتل كل من البلدين موقعاً مركزياً في البُعد الجيو-اقتصادي والجيو-سياسي للمشروع الصيني، خصوصاً في بعده البحري.
3. اتساع حجم العلاقات الصينية مع البلدين واعتمادها النفطي عليهما، فطبقاً للإحصاءات الرسمية السعودية بلغ حجم التجارة بين الصين والسعودية نحو 106 مليار دولار بزيادة نحو 30% عن سنة 2021، وبالمقارنة فإن هذا الرقم يعادل تقريباً ضعف حجم التبادل التجاري الأمريكي السعودي الذي بلغ 55 مليار دولار في الفترة نفسها، ناهيك عن أن الصين تستورد رُبع حاجتها النفطية من الدولتين (من السعودية 19%، وإيران 6%) سنة 2022،[11] إلى جانب أن انضمام السعودية وإيران إلى منظمة بريكس BRICS سيعزز هذه المصالح الصينية خصوصاً لمواجهة العقوبات الأمريكية، والضغط على مركزية الدولار في الأسواق الدولية،[12] إلى جانب أن إيران والصين وقَّعتا اتفاقاً لاستثمارات مشتركة بينهما خلال الـ 25 سنة القادمة، وتبلغ قيمتها الإجمالية نحو 400 مليار دولار.[13]
4. التباين بين الطرفين في موضوع “إسرائيل”: من مصلحة الصين توسيع دائرة العلاقة العربية الإسرائيلية لأن ذلك ييسر سيولة الحركة على الطريق وفي الحزام الصيني، كما هو الحال في مشروع جيزان السعودي الصيني،[14] على الرغم من أن “إسرائيل” أقل اندفاعاً للترحيب بدور صيني في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، وترى فيه السعودية عاملاً أقرب لها وأكثر مساندة لنزعتها المركزية المأمولة، خصوصاً أن السعودية تستشعر تراجعاً في المكانة الشرق أوسطية في الاستراتيجية الأمريكية، وهو ما قد يدفعها أكثر باتجاه الصين، بينما لا ترى إيران في العلاقة الإسرائيلية الصينية إلا توجهاً لا يصب في مصلحة نزوعها المركزي، لا سيّما في ضوء الخطاب السياسي الإيراني المساند لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي مقاومة عسكرية وسياسية واقتصادية، ذلك يعني أن المسافة السياسية الفاصلة بين السعودية والصين في الصراع العربي الإسرائيلي أقصر من المسافة الفاصلة بين إيران والصين في هذا الجانب.[15]
غير أن المشهد الأخير في العلاقات الإيرانية السعودية الصينية يشير إلى تطور ينطوي على قدر من الاضطراب، فإعلان السعودية والهند في أيلول/ سبتمبر 2023 عن مشروع “الممر الاقتصادي Economic Corridor” لربط الهند بأوروبا عبر السعودية والإمارات المتحدة والأردن و”إسرائيل”، يمثّل مشروعاً منافساً للمشروع الصيني “الحزام والطريق”، وهو ما يفسره الترحيب الشديد من كل من أمريكا و”إسرائيل” بالمشروع الجديد، لا سيّما أن هذا المشروع يقوم على بناء بنية تحتية في الموانئ والسكك الحديدية والكابلات لنقل البضائع والنفط والبيانات…إلخ، وهو ما قد يجد أيضاً قدراً من القلق المصري لما قد يؤثره هذا المشروع على قناة السويس، فالخبراء الهنود يقدرون أن مشروع بلادهم سيخفض مدة النقل بين أوروبا والهند ما بين 8 إلى 12 يومأ مقارنة بالنقل عبر قناة السويس. ولا شكّ أن إيران لا تنظر لهذا المشروع بارتياح خلافاً لنظرتها للمشروع الصيني خصوصاً أنها تدرك أن بين الصين والهند نزاعات حدودية، تسببت في اشتباكات عسكرية في السنوات 1962، و1967، و1978، و2018، و2020، ناهيك عن أن باكستان ستكون طرفاً في هذا التنازع على المنطقة بحكم عمق علاقاتها بكل من الصين والسعودية وإيران.[16]
عملية اتخاذ القرار في السعودية وإيران:[17]
تتباين آليات صنع القرار واتخاذه في كلّ من السعودية وإيران، ففي الوقت الذي تقع فيه الدولتان ضمن الدول السلطوية طبقاً لنماذج قياس الديموقراطية، وتتراوح مراكزهما في الترتيب الدولي بين المرتبة 149 و173 في السعودية، حسب نموذج القياس المعتمد، وبين 147 و155 في إيران، إلا أن توازنات القوى في هيئات صنع القرار السياسي واتخاذه تختلف بين الدولتين، ففي المملكة السعودية تعد العائلة هي ركيزة النظام السياسي، وليس للمجتمع أي دور في اختيار الحاكم. بينما في إيران يتم انتخاب المرشد الأعلى من قبل مجلس الخبراء الذي يتم انتخاب أعضائه من الشعب مباشرة، ويتم انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب مباشرة، كما تقوم مؤسسات أخرى، بقدر ما، بضبط ومراقبة آليات صنع القرار في إيران، مثل مجلس تشخيص مصلحة النظام، ومجلس صيانة الدستور، ومجلس الشورى،…إلخ. بينما تتمركز السلطة وبعض المناصب الوزارية المهمة في يد العائلة في السعودية (الملك – ولي العهد، ويتم تحديدهما من قبل هيئة البيعة)، إلى جانب تولي مناصب وزارية مهمة يصل معدلها نحو 35% من مجموع الوزارات، كما أنهم يتركزون في المناصب الوزارية المهمة إلى جانب الملك وولي العهد مثل وزارة الدفاع، والخارجية، والداخلية، والإعلام، والتجارة، والطاقة، والحرس الوطني، بل والرياضة. وتنقسم المملكة إلى 13 منطقة إدارية يتولاها جميعاً أمراء من العائلة، ونوابهم أيضاً جميعاً من العائلة.[18] مع ملاحظة أن السعودية لايوجد لها دستور وفق الأنظمة المعاصرة.[19]
دوافع التقارب الإيراني السعودي سنة 2023:
يمكن تحديد النزوع التصالحي في كلّ من الدولتين لأسباب خاصة بهما من ناحية، وأسباب خاصة بالوسيط الصيني من ناحية ثانية، وهو ما تناولناه، على النحو التالي:
1. السعودية:
فمنذ تعيين محمد بن سلمان ولياً لولاية العهد في السعودية سنة 2015، ثم ولياً للعهد سنة 2017، عمل على تحييد الشخصيات المنافسة والقوية في العائلة، وقام بتحجيم نفوذ الحركة الدينية ودورها من وهابية أو إخوان مسلمين، ثم أثار الحليف الاستراتيجي لبلاده وهي الولايات المتحدة بعدد من الممارسات السياسية، ناهيك عن توسيع دائرة الحرب مع اليمن، وخصوصاً شمالها، ثم التهديد بنقل العنف إلى قلب العاصمة الإيرانية، إلى جانب توتر علاقات بلاده في فترة مع تركيا وقطر وحركة الإخوان المسلمين، خصوصاً مع حركة المقاومة الإسلامية في فلسطين.
لكن حصاد كل هذه السياسات لم يكن ذا جدوى واضحة بل كان أقرب للفشل الواضح، وهو ما يتضح من بقاء السعودية في مؤشر الاستقرار السياسي ضمن دائرة عدم الاستقرار وتتراوح بين سالب 0.63 سنة 2015، وسالب 0.58 سنة 2021،[20] وهو ما جعل السعودية تعيد النظر في كل ما سبق. وتجسد ذلك في الشروع بتهدئة البيئة الإقليمية والداخلية والدولية من حول السعودية، وبدأ التقارب مع تركيا، وإطلاق سراح عدد من معتقلي حركة المقاومة الإسلامية، ثم التقارب مع قطر وسورية، ناهيك عن العمل على تخفيف التوتر مع الولايات المتحدة بقدر من المساومات بين الطرفين، ومن خلال تقارب سعودي مع روسيا في موضوع السياسات النفطية عبر أوبك+OPEC، واللقاءات مع مسؤولين روس، ثم مع الصين، والنزوع لحل تفاوضي مع حكومة صنعاء، ناهيك عن بعض مسارات التطبيع الهادئ والمستور مع “إسرائيل”.
كما أدركت السعودية أن خطة 2030 التي طرحها ولي العهد ستبقى محل شكّ إذا استمر التوتر مع إيران، لأن مشروع نيوم، على سبيل المثال، لن يكون بعيداً عن الصواريخ اليمنية التي مسّت خلال الحرب مواضع أبعد من منطقة نيوم المحددة، ناهيك عن إدراك السعودية بأن “أمن الممرات البحرية” حولها في الخليج والبحر الأحمر يمكن شلها بكل ما يترتب على ذلك من تداعيات اقتصادية.
وعليه، فإن التحول السعودي باتجاه إيران ليس منفصلاً عن سياسة إعادة تقييم النهج السياسي للسعودية خلال الفترة 2015-2022 تقريباً، وإدراك أن النموذج التنموي السعودي الذي يتبناه ولي العهد السعودي غير مقدر له النجاح دون “أمن إقليمي”، وهو ما يفسر التقارب مع إيران، و”إسرائيل”، وسورية، وتركيا. ويبدو أن التقارب مع كل من إيران وسورية، وإظهار بعض الليونة تجاه بعض أجنحة المقاومة الفلسطينية قد يكون عاملاً في “إحراج” هذه الأطراف تجاه تطور التطبيع السعودي الإسرائيلي، أو على الأقل يجعل نقدها للتطبيع السعودي مع “إسرائيل” أقل حدة، حتى لا تبدو بأنها المسؤولة عن تدهور العلاقة بين السعودية وهذه الاطراف.
ثمة عامل آخر، وهو تنامي الاعتقاد لدى دوائر سياسية عالمية وإقليمية ومحلية أن مكانة الشرق الأوسط لم تعد بالقدر الذي كانت عليه في استراتيجية الولايات المتحدة العالمية، ناهيك عن مؤشرات التراجع الأمريكي دولياً بشكل عام، وتزايد أعباء مواجهاتها في أوكرانيا ومع الصين وكوريا الشمالية، مما يوسع من مساحة القرار السعودي “المستقل نسبياً” عنها.
2. إيران:
يؤثر الحصار الاقتصادي الأمريكي والأوروبي بشكل لا لبس فيه على الاقتصاد الإيراني، بل إن حجم التجارة الصينية الإيرانية منذ 2018 (فرض العقوبات المشددة على إيران) تراجع بشكل واضح قياساً لمرحلة ما قبل الحصار،[21] كما أن بعض التوترات الداخلية مع بعض النزعات الانفصالية في بعض المناطق الإيرانية، أو في بعض التوترات بين أجنحة الحكم، يعزز من الضغوط على إيران، إلى جانب أن وجود القوات الأمريكية في أغلب دول الخليج بما فيها العراق يزيد من عبء الضغوط. فإذا أضفنا إلى ذلك السعي الصهيوني لمزيد من تطويق إيران عبر التطبيع مع دول خليجية، أو من خلال تطور العلاقات الإسرائيلية الأذرية، أو نقل تبعية الجيش الإسرائيلي من القيادة الأوروبية للولايات المتحدة إلى القيادة المركزية التي تشمل في تبعيتها منطقة الخليج، تصبح مراوحة معدل الاستقرار السياسي في إيران بين سالب 0.93 سنة 2015 وسالب 1.62 سنة 2021 واضحة الأسباب،[22] وهو ما يفسر الحاجة الإيرانية إلى الحاجة السعودية نفسها وهي تخفيف أعباء الضغوط الإقليمية والداخلية والدولية على كل من البلدين، ومن ضمنها العلاقة بينهما وعبر وسيط مقبول من الطرفين بدرجة واضحة، أي أن الأوضاع العامة للدولتين دفعتهما إلى “التكيف الإذعاني Adaptation Acquiescent”، وهو الذي عرَّفه العالم الأمريكي جيمس روزينيو J. Rosenuau ضمن نظريته عن أنماط التكيف السياسي بأنه “استعداد الدولة للتعديل في سلوكها الخارجي ومؤسساتها الداخلية استجابة لضغوط تفرزها البيئة الدولية، وخصوصاً سياسات الدول الكبرى، شريطة أن لا يمس هذا التعديل البنى الرئيسية للدولة أو آليات صنع القرار فيها”.[23]
مستقبل العلاقة بين الطرفين:
تعتمد الصورة المستقبلية بين الدولتين السعودية والإيرانية على عدد من المتغيرات التي تتبادل التأثير السلبي والإيجابي على بعضها البعض، وهو ما يفترض تحليل التأثير المتبادل كتقنية مركزية لفهم المتغيرات الأكثر وزناً في تحديد مسارات هذه العلاقة.
واستناداً لرصد السلوك السياسي والاقتصادي والعسكري بين البلدين تجاه بعضهما خلال الفترة 1979 – آذار/ مارس 2023 بالإعلان الصيني عن الاتفاق السعودي الإيراني لإعادة العلاقات بين البلدين، تبين لنا أن العلاقة ذات مضمون سلبي في الغالب إلى جانب أنها علاقات غير مستقرة كما يوضح الجدول التالي:[24]
جدول رقم 2: تصنيف طبيعة العلاقات بين السعودية وإيران 1979-2023
الفترة | عدد مرات اتخاذ مواقف عدائية من أحد الطرفين أو من كليهما تجاه بعضهما |
عدد مرات اتخاذ مواقف ودية من أحد الطرفين أو من كليهما تجاه بعضهما |
1979–1991 | 10 | 4 |
1992–2008 | 2 | 15 |
2009–2016 | 1 | 16 |
2017–2023 | 30 | 2 |
المجموع | 43 | 37 |
ويشير الجدول إلى ما مجموعه 80 فعلاً بين الطرفين، كان منها 43 فعلاً عدائياً (نحو 54%)، مقابل 37 فعلاً إيجابياً (نحو 46%). وعند مقارنة الفترات الزمنية التي غلب عليها العداء فإنها تشكل نحو 43% من الفترة المقاسة مقارنة بنحو 57% لفترة العلاقة الإيجابية، وهو ما يؤكد أن العلاقة بين الطرفين هي علاقة غير خطية non linear.
ويبدو من سياق العلاقات التاريخية بين إيران والسعودية، أن العوامل المركزية في تحديد مستقبل العلاقة تتمثل في الآتي:
1. الصور الذهنية المتبادلة لدى كل طرف عن الطرف الآخر: تتسم الصورة الذهنية للطرفين عن الطرف الآخر بأنها ذات طبيعة سلبية، ولعل تحليل مضمون الخطاب الإعلامي للطرفين يعكس ذلك بوضوح، وهذه الصورة لا تغيب حتى في فترات التقارب ولو بحدة أقل نسبياً، وتشمل الصور المتبادلة الصورة الذهنية لحكام البلدين عن بعضهما، والصور الذهنية المتبادلة بين النخب إلى جانب الصورة الذهنية الشعبية.
2. التأثير الأمريكي على الطرفين: تشكل المساندة الأمريكية للسياسات السعودية في أغلب الأحيان عاملاً حاسماً في العلاقات بين إيران والسعودية، كما أن الضغوط الأمريكية على إيران تمثل المعيق الأكبر لحركتها الدولية سواء اقتصادياً أم سياسياً أم عسكرياً، ويمكن أن تتأثر العلاقة السعودية الإيرانية بعاملين في المستقبل:
أ. موضوع الاتفاق النووي الإيراني الأمريكي: فاذا تمّ حلّ هذه المعضلة فإن ذلك سيشكل عامل استرخاء لتأثير الولايات على العلاقة مع السعودية للضغط على إيران، لكن فشله وتصاعد التوتر قد يزيد من الضغط الأمريكي على السعودية لإعادة النظر في بعض جوانب التفاهم مع إيران. والملاحظ أن ولي العهد السعودي ربط توجه بلاده بخصوص امتلاك السلاح النووي بالتوجه الإيراني، إذ قال “إذا حصلت إيران عليه فعلينا أن نحصل عليه لأسباب أمنية ولتوازن القوى”،[25] دون أن يشير إلى امتلاك اسرائيل لهذا السلاح.
ب. التغير في القيادة الأمريكية: تتباين توجهات الديموقراطيين والجمهوريين في العلاقة مع إيران، لا من حيث الرؤية الاستراتيجية لإيران بل من حيث حدة معالجة هذه الرؤية، فإذا عاد دونالد ترامب Donald Trump فإن الأمور لن تسير بهدوء في العلاقة الإيرانية السعودية، بينما تبدو الإدارة الديموقراطية أقل حدة في هذا المجال.
3. التأثير الصيني على الطرفين: يمثل هذا العامل متغيراً إيجابياً نظراً لحاجة الصين لكل من البلدين من ناحية، ونظراً للرغبة داخل الطرفين في التخفيف من الضغوط الداخلية أو الإقليمية أو الدولية عليهما من ناحية ثانية.
4. العلاقة مع “إسرائيل”: على الرغم من شروع السعودية في اتخاذ بعض الإجراءات الرمزية للتطبيع مع “إسرائيل”، إلا أن التردد في مواصلة ذلك تشكل نقطة تشجيع من إيران التي تقف ضدّ التطبيع وبأي شكل من الأشكال، فعلى الرغم من أن أغلب دول الخليج (باستثناء الكويت) مارست مستوى من مستويات التطبيع أو كل المستويات لكن علاقاتها مع إيران لم تتجاوز حدّ المعارضة الإيرانية التقليدية للتطبيع، بل إن العلاقات التجارية بين إيران والإمارات العربية تزايدت بعد التطبيع الإماراتي مع “إسرائيل”، على الرغم من أن دولة الإمارات أصبحت تحتل المرتبة 16 بين الدول الـ 126 التي لها علاقات تجارية مع “إسرائيل”.[26]
5. الشقاق المذهبي بين البلدين: شكَّل هذا المتغير الثقافي والتاريخي نقطة مركزية في الخطاب الثقافي في البلدين على الرغم من أن حدته في السعودية أعلى منه في ايران، وهو ما تبين لنا في دراسة سابقة من خلال تحليل مضمون الخطابات الدينية في الدولتين.[27]
6. نشوب نزاعات طارئة بين البلدين: لمّا كان الشرق الأوسط هو الأعلى بين أقاليم العالم الأخرى في مستويات عدم الاستقرار،[28] فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على العلاقات بين البلدين، ولعل آخر مظاهر ذلك هو الخلاف على حقل الدرة في مياه الخليج بين كلّ من الكويت والسعودية من ناحية وإيران من ناحية أخرى.[29] ناهيك عن موضوعات نزاع كامنة مثل موضوع الجزر الثلاث مع الإمارات المتحدة، والتي يمكن أن تطفو على سطح العلاقات مع إيران مرة أخرى.
7. التغير في قيادات البلدين: على الرغم من أن دور المرشد الأعلى في إيران هو الأكثر وزناً في صنع القرار الاستراتيجي، إلا أن توجهات الرؤساء الإيرانيين بخصوص العلاقة مع السعودية بشكل خاص تتباين وتترك أثراً غير كبير. فمنذ نشوب الثورة الإيرانية إلى الآن تولى رئاسة إيران ثمانية رؤساء ومرشدان أعلى، دون أن يعرف الاتجاه الأعظم للعلاقة السعودية الإيرانية تحولاً استراتيجياً، كما أن أربعة ملوك تولوا قيادة السعودية ولم يترك أي منهم تحولاً استراتيجياً في العلاقة مع إيران، بل إن العلاقة بعد صعود الأمير محمد بن سلمان منذ 2015 في السلم القيادي للدولة، غلب عليها التشدد في العلاقة مع إيران، لكن القصور الميداني السعودي في المواجهة ترك أثره على توجهات الدولة السعودية في السنوات الثلاث الماضية. وعليه فإن وفاة الملك سلمان (88 عاماً)، أو وفاة المرشد الإيراني علي خامنئي (84 عاماً)، قد يترك بعض التغير التكتيكي لا الاستراتيجي على العلاقة، استناداً للنمط التاريخي في العلاقة بين الطرفين.
8. مستويات التنسيق في المنظمات الدولية: يبدو هذا العامل بأنه يلخص التوجهات الكامنة في البلدين، فالتوافق داخل الأوبك أو (أوبك +)، أو الموقف من الحرب الأوكرانية أو التقارب مع الصين، يشير إلى قدر مهم من خطوات التقارب ولو بفعل الضغوط الداخلية في الطرفين، أو التقارب في سياسات البريكس حتى قبل قبول عضوية السعودية فيها هذه السنة…إلخ.
9. الأوضاع الاقتصادية للبلدين: لا شكّ أن الرخاء الاقتصادي في السعودية متقدم عنه في إيران، وهو ما يتضح في معدل الدخل الفردي بشكل خاص، إذ يصل معدل دخل الفرد السعودي نحو ستة أضعاف دخل الفرد الإيراني،[30] لكن إيران متقدمة في مؤشر عدالة توزيع الدخل عنه في السعودية، بينما تتقدم السعودية في مؤشر التنمية البشرية عن إيران.[31] غير أن إيران متقدمة على السعودية في معدل الانفاق على البحث العلمي،[32] وهو ما يعني أن الضغوط الداخلية في المجال الاقتصادي والاجتماعي تكاد أن تكون متقاربة من حيث تأثير المؤشرات الفرعية على المجتمع المحلي.
استناداً لما سبق، يمكن تشكيل مصفوفة لكل المؤشرات ووضع أوزان لها لتحديد إمكانية تواصل تطور العلاقات بين البلدين أو انتكاسها خلال الخمس سنوات القادمة.[33]
جدول رقم 3: أوزان المتغيرات الحاكمة للعلاقة السعودية الايرانية
المؤشر | وزن المؤشر (1-3) | استمرار تطور العلاقة بين البلدين | تراجع العلاقة بين البلدين |
الصور الذهنية المتبادلة | 2 | 2 | |
التأثير الأمريكي | 3 | 3 | |
التأثير الصيني | 2 | 2 | |
العلاقة مع “إسرائيل” | 2 | 2 | |
الشقاق المذهبي | 1 | 1 | |
نزاعات طارئة (ثنائية أو إقليمية أو دولية) | 2 | 2 | |
التغير في القيادة | 1 | 1 | 1 |
التنسيق في المنظمات الدولية | 1 | 1 | |
الأوضاع الاقتصادية للبلدين | 2 | 2 | |
المجموع | 6 | 11 |
يتبين من الجدول ما يلي:
1. إن المتغيرات الأكثر قوة في تراجع العلاقات بين البلدين هما التأثير الأمريكي والعلاقة أو التطبيع مع “إسرائيل”، وهذا العاملان يشكلان نحو 45% من مجموع المؤشرات ذات التأثير السلبي على العلاقة بين البلدين،[34] ويكفي ملاحظة أن الولايات المتحدة تحتفظ بمعدل تواجد عسكري يتراوح بين 30 و34 ألف من أفراد قواتها العسكرية البرية والجوية وأفراد أسطولها وقوات سلاح مشاة البحرية الأمريكية (المارينز marines) في المنطقة، وتبرر تواجدها العسكري وما تزال بأسباب عدة منها: [35]
أ. ضبط السلوك الإيراني: فالولايات المتحدة تَعدُّ إيران حليفاً لروسيا والصين، ولها طموحات نووية، وعنصر تهديد لـ”إسرائيل”، وعامل عدم استقرار في المنطقة العربية عبر قوى سياسية ترتبط بها خصوصاً في العراق واليمن ولبنان وسورية وفلسطين، كما أن لها ارتباطاً ببعض الجماعات الشيعية في دول الخليج، إلى جانب القلق من محاولات إيران التأثير على التدفق النفطي عبر مضيق هرمز، مما يؤثر على أسعار الطاقة خصوصاً بعد الحرب الأوكرانية، وما تركته وما تزال من آثار على هذه السوق الاستراتيجية خصوصاً لحلفاء أمريكا.
ب. طمأنة دول الخليج من أي تهديد داخلي أو خارجي، والتأكيد على أن تراجع أهمية الشرق الأوسط في الاستراتيجية الأمريكية لا يصل إلى حدّ التخلي عن هذه الدول.
ج. إن نقل “إسرائيل” من ارتباطها مع قيادة القوات الأمريكية في أوروبا إلى قيادتها المركزية في المنطقة التي تشمل الخليج مؤشر على السعي لطمأنة “إسرائيل” بشكل أكبر.
د. محاولة التأثير على تنامي العلاقات الصينية والروسية مع المنطقة، ومحاولة لجم هذا التنامي.
هـ. مساندة قوى انفصالية وحمايتها لتبقى مناطق نفوذ وارتكاز للولايات المتحدة، خصوصاً الأقليات الكردية في سورية، والعراق، وإيران، وتركيا.
و. ضمان عدم فقدان الولايات المتحدة للسوق العسكري في هذه المنطقة، فالولايات المتحدة زوَّدت دول مجلس التعاون الخليجي بنحو 64% من مشترياتها العسكرية خلال الفترة من 2018-2022.
2. يمثل مؤشر العلاقة مع الصين الأكثر إيجابية في تعزيز العلاقات السعودية الإيرانية، ووزن المؤشر هو 2 من مجموع 6 نقاط أي بنسبة 33% تقريباً.
3. إن العوامل الداخلية في علاقة البلدين أقل وزناً من تأثير العوامل الدولية والإقليمية، وهو ما يعني أن موقف كل من الولايات المتحدة و”إسرائيل” هو الأكثر وزناً في تغيير المسار التصالحي بين البلدين، وقد يتاثر دور هذا الجانب بعوامل ثلاثة:
أ. وفاة الملك سلمان الذي يبدو أقل رغبة في التطبيع العميق مع “إسرائيل” قياساً لرغبة ولي عهده.
ب. النزعة البراجماتية الصينية وتطور العلاقات الصينية الإسرائيلية تجعل الصين أقرب للموقف السعودي في حال نشوب الخلاف ثانية.
ج. عدم استبعاد النزعة “الميكيافيلية” لدى الأمير محمد بن سلمان، والتي أكدها باحثون غربيون ممن درسوا بناءه السيكولوجي ومراحل تطوره، إذ أكد هؤلاء أنه كرر لهم رأيه بأن “قدوته ميكافيلي”، كما أن مسيرته السياسية منذ 2015 تعزز هذا الاعتقاد طبقاً للمراجع الغربية المختلفة.[36] وهو ما يعني أن احتمالات “نكوصه” عن مواقف سابقة من وجهة نظر أمريكية غير مستبعد خصوصاً في ظلّ الضعف الشديد في مستوى الثقة الأمريكية في استقرار رؤيته الاستراتيجية لعلاقات بلاده طبقاً لاستطلاعات الرأي الأمريكي، فهي لم تتجاوز 20% في الولايات المتحدة و6% في “إسرائيل”.[37] بل إن الرئيس السابق لمجلس الشؤون الخارجية الأمريكي ريتشارد هاس Richard Haass دعا في مقال له إلى “ضرورة التمييز بين الأمير محمد بن سلمان والمملكة السعودية، وضرورة تقليص التعامل مع الأمير من قبل الجهات الأمريكية المتنفذة، وأن على الولايات المتحدة أن لا تدعو لرحيل الأمير بشكل صريح ولكن “محمد بن سلمان يعرض مستقبله للخطر، وسوف يدرك أعضاء آخرون في العائلة المالكة أن الدعم الأمريكي والغربي له لا يمكن اعتباره أمراً مفروغاً منه، فالأمر متروك للسعوديين لترتيب خلافتهم”.[38]
4. إن الاحتمالات المستقبلية طبقاً للقياس السابق يشير إلى أن مجموع أوزان مؤشرات العلاقة هو 17 (6+11)، وهو ما يعني أن احتمالات استمرار النسق التاريخي في العلاقة بين إيران والسعودية، أي نمط عدم الاستقرار، هو 64.7%.
5. إذا وضعنا في الاعتبار أن تاريخ العلاقات بين البلدين يشير إلى التذبذب من ناحية، وغلبة فترات التواصل بمعدل 33 إلى 11 (كما أوضحنا في جدول رقم 1) من ناحية ثانية، فإن ذلك يشير إلى احتمال تزاوج استمرار العلاقة الديبلوماسية، مع نشوب خلافات بين الطرفين في المدى الزمني المتوسط من 3-5 أعوام.
6. متغير البجعة السوداء (المتغير الأقل احتمالاً والأعلى تأثيراً): مثل حدوث تغير جذري في قيادة البلدين، أو نشوب نزاع دولي أو إقليمي جديد في المنطقة أو حولها، أو تسوية تامة لصراعات كبرى مثل الصراع العربي الصهيوني…إلخ، وهو ما قد يغير من الصورة السابقة، على الرغم من قلة احتماله قياساً للمؤشرات الأخرى.
السيناريو الأرجح:
تشير دراسات مختلفة بخصوص العلاقة بين بنية النظام الدولي (أحادي القطبية – ثنائي – متعدد)، وبين بنية النظم الإقليمية (قوة مركزية إقليمية واحدة، قوتان مركزيتان، أو تعدد مراكز القوة في الإقليم)، إلى أن الإقليم الشرق أوسطي هو أعلى مناطق العالم اختراقاً من القوى الدولية القطبية [39]، وعليه فإن العلاقة بين القوى الإقليمية مرهونة بطبيعة بنية النظام الدولي كما يوضح الجدول التالي:
جدول رقم 4: أثر بنية النظام الدولي على علاقات القوى المركزية الإقليمية: إيران والسعودية
بنية النظام الدولي | ارتباط القوى الإقليمية المركزية بقطب دولي واحد | ارتباط القوى الإقليمية المركزية بأقطاب دولية متنافسه | ملاحظات |
أحادي القطبية | غلبة العلاقة السلمية بين القوى الإقليمية | لم ترتبط الثورة في إيران بأقطاب دولية بشكل واضح إلا بعد سنة 2003 | العلاقات السعودية الايرانية من 1929 إلى 1980 كانت مرتبطة بالعلاقة مع بريطانيا، ثم لاحقاً مع الولايات المتحدة). وفي الفترة 1991 (انهيار الاتحاد السوفييتي وأزمة الكويت) تراجع توتر العلاقة بين السعودية وايران لمواجهة العراق. |
ثنائي القطبية | غلبة العلاقة السلمية | غلبة النزعة التنافسية على العلاقات الإقليمية | في فترة عابرة خلال الحرب العالمية الثانية مالت إيران بقدر ما نحو ألمانيا النازية، وفي فترة ما بعد الثورة الإيرانية 1979 بدأ التقارب تدريجياً وببطء بينها وبين روسيا والصين. |
متعدد الأقطاب | غلبة العلاقة السلمية | غلبة التنافس الإقليمي | فترة ما بعد الصعود الصيني، وبروز الهند منذ 2000 إلى 2016 تقاربت السعودية وإيران، وأعلن أوباما عن التحول إلى أولوية الشرق الآسيوي (2012)، وعدم الانغماس في الحروب الشرق أوسطية (2016). |
يوضح الجدول السابق أن التعدد القطبي مفيد للاستقرار الإقليمي في حالة محددة وهي إذا توافقت التحالفات بين القوى الإقليمية وبين القوى القطبية الدولية (أي التحالف مع القطب الدولي نفسه). وفي حالتنا هذه فإن القوى الإقليمية ترابطت مع الأقطاب الدولية المتنافسة، وهو ما جعل نموذج التنافس الإقليمي يطغى على النموذج التعاوني. وعليه، فإن العلاقات السعودية الإيرانية مرهونة (تطوراً أو تراجعاً) بعدد من المحددات هي:
1. تزايد التراخي في الارتباط السعودي بالولايات المتحدة بمقدار تزايد الترابط السعودي بالأقطاب الآسيوية خصوصاً الصين والهند وروسيا.
2. انتقال العلاقة بين السعودية وإيران من مستوى المجاملات الديبلوماسية إلى تزايد ذي دلالة في حجم العلاقات التجارية والاستثمارات المتبادلة وتراجع الترويج المذهبي.
3. تكرس التعددية القطبية في النظام الدولي يعزز البدائل السعودية لعلاقاتها الدولية.
4. مستوى الاستقرار الإقليمي يحدد العلاقة السعودية الإيرانية، إذ ينعكس الاضطراب في المنطقة على طبيعة العلاقة بين الطرفين، مع ملاحظة أن الاستقرار في المنطقة هو الأقل بين أقاليم العالم.[40]
5. استمرار وتيرة التراجع في المكانة الأمريكية في تكييف النظام الدولي وتفاعلاته.
6. احتمال انضمام السعودية إلى منظمة شنغهاي Shanghai Cooperation Organisation (ذات المضمون الأمني والاقتصادي)، يعزز من التقارب الإيراني السعودي بعد الانضمام إلى البريكس.
7. إدراك السعودية أن مشاريعها الاقتصادية وتنفيذ خطة 2030 مرهون بدرجة الاستقرار الإقليمي، وهو ما يفسر النزوع للتصالح السعودي مع البيئة الإقليمية، ومحاولة التوازن في علاقاتها الدولية.
لقد أشرنا في الصفحات السابقة إلى أن احتمالات انتكاس العلاقة بين الطرفين الإيراني والسعودي هي 64% تقريباً، ونظراً لأن مأسسة عملية صنع القرار في إيران هي أعلى قياساً لمستوى المأسسة في السعودية، فإن السيناريو الأرجح (داخلياً) مرتبط ارتباطاً وثيقاً بتوجهات الأمير محمد بن سلمان، وهي توجهات يغلب عليها عدم الاتساق، وهو ما يعزز هواجس العودة للانتكاس في العلاقات السعودية الإيرانية في ضوء احتمالين هما:
1. إذا استمر التراخي السعودي في العلاقة مع الولايات المتحدة والتزايد في العلاقة مع القوى القطبية الأخرى، فإن الولايات المتحدة وبحكم تغلغلها في البيئة الداخلية السعودية ستعمل إما على تغيير في السلطة السعودية يتناسب مع أهدافها (بعض الكتابات تعيد نموذج الملك فيصل تاريخياً[41])، أو التضييق على الحركة السعودية دولياً وإقليمياً إلى الحد الذي يفرض على السعودية التراجع عن موقفها التصالحي مع إيران، وفي هذه الحالة ستنتكس العلاقات الإيرانية السعودية من جديد. ذلك يعني وبشكل محدد أن المؤشر الأكثر دلالة على طبيعة مستقبل العلاقة الإيرانية السعودية هو مدى تراخي كلّ من الطرفين عن مساندته لحلفائه الإقليميين (أي أن تتخلى إيران عن محور المقاومة في المنطقة، وأن تتخلى السعودية عن قوى المعارضة العربية لطهران وحلفائها)، وهو أمر لا تشير له معطيات الواقع الإقليمي حتى هذه اللحظة.
2. إذا واصلت السعودية اتكاءها على المساندة الأمريكية والذهاب إلى التطبيع مع “إسرائيل”، فإن ذلك قد يدفع إلى العودة لما كان عليه الأمر من توتر في العلاقات السعودية الإيرانية للفترة 2016-2023 خصوصاً إذا تجاوزت العلاقات السعودية الإسرائيلية الميدان الديبلوماسي والتجاري إلى “تنسيق ونشاط عسكري وأمني”، كما جرى مع الإمارات العربية.
وعليه، فإن توظيف تقنية الزمن الفاصل lead time[42] في الدراسات المستقبلية على حالتنا هذه، يشير وطبقاً للمسار العام 2015-2023 إلى ما يلي:
أ. إن مدة الزمن الفاصل في النظام السياسي السعودي هي من 3-5 أعوام قادمة بعد وفاة الملك سلمان، ويمتد المدى الزمني “للزمن الفاصل” لهذه الفترة تباعاً طالما بقي الملك الحالي على قيد الحياة، لأن بقاء الملك على قيد الحياة يتيح فرصة أطول لولي عهده لتعطيل مدخلات التغيير البنيوي المعاكسة له في السلطة السياسية السعودية خصوصاً في البيئة الداخلية بشكل أساسي، بينما تكون القدرة على التغيير في البيئة الإقليمية أقل وتكون أقل كثيراً في البيئة الدولية، وهو ما يجعل العلاقة الإيرانية السعودية رهينة هذا البعد في المدى الزمني المباشر.
ب. من جانب آخر، فإن أحد الأعمدة الأساسية لمشروع ولي العهد هو مشروع 2030 والذي يقوم على تطوير واسع يستند في بنيته على تخفيض الاعتماد على صادرات البترول من إجمالي الصادرات السعودية، ورفع الصادرات غير البترولية من 16% إلى 50%،[43] وعلى الرغم من مرور أكثر من سبعة أعوام على إعلان الخطة (نيسان/ أبريل 2016)، أي 50% من مدة الزمن الفاصل، فإن نصيب البترول من الصادرات السعودية طبقاً لهيئة الإحصاء السعودي في سنة 2016 كان 81.5% من إجمالي الصادرات السعودية، وأصبح 77.2% في كانون الثاني/ يناير 2022، ثم عاد ليرتفع إلى 78.1% في كانون الثاني/ يناير 2023، وبالمقارنة مع كانون الأول/ ديسمبر 2022، انخفضت الصادرات غير النفطية (بما في ذلك إعادة التصدير) بنسبة 6.7% مقارنة بشهر كانون الثاني/ يناير 2022،[44] وهو ما يعني أن الزمن الفاصل للخطة لا يسير خطياً نحو الأهداف المُسَطرة في الخطة، و أن ما تحقق من تقدم في مجال تغيير بنية الاقتصاد السعودي في قطاع الصادرات الأكثر أهمية هو أقل من 9% على الرغم من مرور نصف مدة خطة 2030، وإذا استمر هذا السياق، فإن الخطة لن تنجز أكثر من 17-18% منها عند نهاية الخطة، وهو ما قد يدفع إلى العودة للتنافس والصراع مع إيران لامتصاص تداعيات التعثر الداخلي إذا بقي مسار خطة 2030 بهذا التلكؤ.
ج. من الواضح أن رؤية 2030 السعودية ذات مضمون اقتصادي بشكل رئيسي، لكن الإصلاح الاقتصادي لا يمكن له أن يتطور ويترك أثراً كافياً دون مرافقته بإصلاح سياسي، وتكاد أن تغيب جوانب الإصلاح السياسي من التوجه المستقبلي في التخطيط السعودي، وهو ما يتضح في أن معدل الديموقراطية في السعودية بقي ثابتاً بين 2015 (تولي الأمير محمد بن سلمان ولاية العهد)، و2019 عند قيمة 1.93 من 10، وحدث تحسن بسيط سنة 2020 (أصبح 2.08) حتى الآن، أي أن التحسن خلال 8 أعوام هو 0.15% فقط، ويقل عن معدل الديموقراطية في إقليم الشرق الأوسط خلال الفترة نفسها.[45] وعند النظر في عمليات الإعدام المؤكدة طبقاً لتقارير منظمة العفو الدولية Amnesty International، نجد أن “معدل” ترتيب السعودية في عمليات الإعدام خلال الفترة 2015-2022 (فترة تصدر محمد بن سلمان المشهد السياسي السعودي) تراوحت بين المرتبة 3 و4 عالمياً في عدد حالات الإعدام.[46]
ولا يختلف المركز الدولي لإيران في هذا الجانب عن المركز السعودي، وهو ما يعني أننا أمام دولتين ذواتا طبيعة مركزية، وهو ما يكبح المرونة في اتخاذ القرار الاستراتيجي، ويزيد عدم الاستقرار في المنطقة وبشكل ينعكس على علاقات دول المنطقة ببعضها البعض، ومنها إيران والسعودية.
[1] خبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، أستاذ في قسم العلوم السياسية في جامعة اليرموك في الأردن سابقاً، حاصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وهو عضو سابق في مجلس أمناء جامعة الزيتونة في الأردن، وجامعة إربد الأهلية، والمركز الوطني لحقوق الإنسان وديوان المظالم، والمجلس الأعلى للإعلام. ألَّف 37 كتاباً، يتركز معظمها في الدراسات المستقبلية من الناحيتين النظرية والتطبيقية، ونُشر له نحو 120 بحثاً في المجلات العلمية المحكّمة.
[2] Mette Eilstrup-Sangiovanni, “Uneven Power and the Pursuit of Peace: How Regional Power Transition Promotes Integration,” Journal of Comparative European Politics, vol. 6, no. 1, 2008, pp. 102–142.
انظر تطبيق هذا النموذج على العلاقات السعودية الايرانية في:
Dilip Hiro, Cold War in the Islamic World: Saudi Arabia, Iran and the Struggle for Supremacy (New York, Oxford University Press, 2019), pp.111–124 and 141–162.
[3] أشرف عبد الحميد، قيادي إخواني سابق يكشف أسراراً عن علاقة الإخوان وإيران، موقع قناة العربية، 2019/12/24، انظر: https://ara.tv/8xapd
[4] ناظم يونس عثمان و نزار زهير شفيق، “موقف المملكةالعربية السعودية من قيام الثورة الايرانية عام 1979، مجلة العلوم الانسانية، جامعة زاخو (كردستان)، المجلد 6، العدد2 ، حزيران/ يونيو 2018، ص 488-490.
[5] Najaf Ali et.al., Saudi-Iran Strategic Competition In Middle East: An Analysis, Journal of Positive School Psychology, vol.6, no.12, 2022, pp. 1351–1365; and “Vision 2030: Kingdom of Saudi Arabia,” site of Vision2030, https://www.vision2030.gov.sa/media/rc0b5oy1/saudi_vision203.pdf
[6] وليد عبد الحي، إيران مستقبل المكانة الإقليمية 2020 (الجزائر: مركز الدراسات التطبيقية والاستشراف، (2010، ص 258-261.
[7] المرجع نفسه، ص 169-208.
[8] انظر تفاصيل هذه الشكوك في:
Détente With Saudi Leads To Foreign Policy Debate In Iran, site of Iran International, 20/8/2023, https://www.iranintl.com/en/202308202353; and Natasha Turak, ‘Things will just have to be accepted as tense’: Saudi-Iran relations have a long way to go despite rapprochement efforts, site of Consumer News and Business Channel (CNBC), 21/6/2023, https://www.cnbc.com/2023/06/21/saudi-iran-ties-have-a-long-way-to-go-despite-rapprochement-efforts.html
[9] Natasha Turak, ‘Things will just have to be accepted as tense’, CNBC, 21/6/2023.
[10] وليد عبد الحي، المكانة المستقبلية للصين في النظام الدولي 1978–2010 )أبو ظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، 2000)، ص50-91 و102-129.
[11] Iran & China: A Trade Lifeline, The Iran Primer, site of United States Institute of Peace, 5/7/2023, https://iranprimer.usip.org/blog/2023/jun/28/iran-china-trade-lifeline
[12] Nik Martin, China’s economic ambitions a huge draw for Saudi Arabia, site of Deutsche Welle (DW), 13/6/2023, https://www.dw.com/en/chinas-economic-ambitions-a-huge-draw-for-saudi-arabia/a-65889319
[13] Nic Robertson, China has shattered the assumption of US dominance in the Middle East, site of Cable News Network (CNN), 15/3/2023, https://edition.cnn.com/2023/03/15/world/us-saudi-china-relations-intl/index.html
[14] Ibid.
[15] William Yang, Can China become a ‘peacemaker’ in the Middle East?, DW, 27/4/2023, https://www.dw.com/en/can-china-become-a-peacemaker-in-the-middle-east-iran-saudi-arabia-israel-palestine/a-65454333
[16] حول هذا المشروع وملابساته، انظر التفاصيل في:
Memorandum of Understanding on the Principles of an India–Middle East–Europe Economic Corridor, site of The White House, 9/9/2023, https://www.whitehouse.gov/wp-content/uploads/2023/09/Project-Gateway-Multilateral-MOU.pdf; Ram Singh, A corridor of immense promise, site of The Hindu BusinessLine, 11/9/2023, https://www.thehindubusinessline.com/opinion/a-corridor-of-immense-promise/article67296263.ece; and FACT SHEET: World Leaders Launch a Landmark India-Middle East-Europe Economic Corridor, The White House, 9/9/2023, https://www.whitehouse.gov/briefing-room/statements-releases/2023/09/09/fact-sheet-world-leaders-launch-a-landmark-india-middle-east-europe-economic-corridor
وانظر أيضاً:
‘Greatest cooperation project in our history’: PM lauds new US-led transport corridor, site of The Times of Israel, 9/9/2023, https://www.timesofisrael.com/greatest-cooperation-project-in-our-history-pm-lauds-new-us-led-transport-corridor; Li Li, “The US Factor and the Evolution of China India Relations,” China Review Journal, vol. 23, no.1, Feb 2023, pp. 107–133; Ayaan Kartik, G20 Summit: Will India Successfully Counter China’s BRI Project With Middle East-Europe Economic Corridor?, site of Outlook Business, 10/9/2023, https://business.outlookindia.com/economy-and-policy/g20-summit-will-india-successfully-counter-chinas-bri-project-with-middle-east-europe-economic-corridor; What the China-India detente means for the West, site of The Economist, 20/7/2023, https://www.economist.com/leaders/2023/07/20/what-the-china-india-detente-means-for-the-west; and Dev Kachari, ETInfra@G20: New econ corridor to make India-Europe trade 40% faster, site of ETInfra.com, 10/9/2023, https://infra.economictimes.indiatimes.com/news/railways/etinfrag20-new-econ-corridor-to-make-india-europe-trade-40-faster/103556489
[17] Ranking of Countries by Quality of Democracy, site of Democracy Matrix, https://www.democracymatrix.com/ranking; and Most Democratic Countries, site of Wisevoter, https://wisevoter.com/country-rankings/most-democratic-countries
[18] شروق مصطفى، اسماء امراء مناطق المملكة ”أحدث قائمة لعام 42“، موقع المرسال، 2021/12/30، انظر: https://www.almrsal.com/post/1085530
[19] قائمة حكومة السعودية في عهد الملك سلمان، موقع ويكيبيديا، انظر:
https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%82%D8%A7%D8%A6%D9%85%D8%A9_%D8%AD%D9%83%D9%88%D9%85%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%B9%D9%88%D8%AF%D9%8A%D8%A9_%D9%81%D9%8A_%D8%B9%D9%87%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D9%83_%D8%B3%D9%84%D9%85%D8%A7%D9%86
[20] Saudi Arabia: Political stability, site of TheGlobalEconomy.com, https://www.theglobaleconomy.com/Saudi-Arabia/wb_political_stability/
[21] Iran & China: A Trade Lifeline, The Iran Primer, United States Institute of Peace, 5/7/2023.
[22] Iran: Political stability, TheGlobalEconomy.com, https://www.theglobaleconomy.com/Iran/wb_political_stability/
[23] James Rosenau, The Study of Political Adaptation (London: Frances Pinter, 1981), pp. 62–66.
[24] لقد قمنا برصد هذه المواقف استناداً لقائمة من المواقف المتتابعة عن العلاقات السعودية الإيرانية منذ 1929، عندما تمت إقامة العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين، ولكننا ركزنا الرصد في هذه الدراسة فقط على مرحلة ما بعد الثورة الإيرانية، انظر الملاحق من 1-5 في:
Emir Hadžikadunić, Insight 215: Iran–Saudi Ties: Can History Project Their Trajectory?, site of International Institute for Middle East and Balkan Studies (IFIMES), 2019, https://www.ifimes.org/en/researches/insight-215-iran-saudi-ties-can-history-project-their-trajectory/4492
[25] Peter Aitken, Bret Baier interviews Saudi Prince: Israel peace, 9/11 ties, Iran nuke fears: “Cannot see another Hiroshima,”site of Fox News Channel, 20/9/2023, https://www.foxnews.com/world/bret-baier-interviews-saudi-prince-israel-peace-ties-iran-nuke-fears-cannot-see-another-hiroshima
[26] Trade Offers Economic Diplomacy Channel Between UAE And Iran, Iran International, 11/9/2023, https://www.iranintl.com/en/202309115082
[27] وليد عبد الحي، إيران مستقبل المكانة الإقليمية 2020، ص 268-295.
[28] Political Stability – Country rankings, MENA countries, TheGlobalEconomy.com, https://www.theglobaleconomy.com/rankings/wb_political_stability/MENA/
[29] تصعيد في الخلاف بين السعودية والكويت وإيران على حقل الدرة، موقع BBC News عربي، 2023/8/3، انظر: https://www.bbc.com/arabic/articles/c03xek0ew7xo
[30] GDP per Capita by Country 2023, site of World Population Review, https://worldpopulationreview.com/country-rankings/gdp-per-capita-by-country
[31] Gini Coefficient by Country, Wisevoter, https://wisevoter.com/country-rankings/gini-coefficient-by-country/
[32] Research and development expenditure (% of GDP), site of The World Bank, https://data.worldbank.org/indicator/GB.XPD.RSDV.GD.ZS
[33] استناداً إلى نموذج ليكرت في تحديد أوزان المتغيرات إحصائياً، واستناداً لنموذج هولستي لتحديد تقنيات قياس التوتر بين الدول، انظر:
J. Holsti, “The Use of Objective Criteria for the Measurement of International Tension Levels,” Background: Journal of the International Studies Association, vol. 7, no. 2, August 1963, pp. 77–95.
أيضاً: انظر ترتيب المتغيرات طبقاً لأهميتها:
Gary King, “Event Count Models for International Relations: Generalizations and Applications,” International Studies Quarterly journal, vol. 33, no. 2, June 1989, pp. 123–147.
[34] مجموع التأثير الإيجابي لكل المؤشرت هي 9 + مجموع التأثير السلبي لبقية المؤشرات هو 21، أي أن نسبة المؤشرات السلبية هي 70% من المجموع.
[35] C. Todd Lopez, Defense Official Says U.S. Remains Committed to Middle East, site of U.S. Department of Defense, 5/6/2023, https://www.defense.gov/News/News-Stories/Article/Article/3417495/defense-official-says-us-remains-committed-to-middle-east; Oren Liebermann and Haley Britzky, US deploying Marines, additional forces to Middle East following recent Iranian attempted shipping seizures, CNN, 20/7/2023, https://edition.cnn.com/2023/07/20/politics/marines-deployed-iran-attempted-shipping-seizures/index.html; Nathan P. Olsen, “Preserving U.S. Military Advantages in the Middle East,” PolicyWatch 3738, site of The Washington Institute for Near East Policy, 14/5/2023, https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/preserving-us-military-advantages-middle-east; and Trends in International Arms Transfers, 2022, SIPRI Fact Sheet, March 2023, site of Stockholm International Peace Research Institute (SIPRI), https://www.sipri.org/sites/default/files/2023-03/2303_at_fact_sheet_2022_v2.pdf
[36] حول البنية السيكولوجية والمنظومة المعرفية للأمير محمد بن سلمان، وخصوصاً إعجابه بالفيلسوف الإيطالي ميكافيلي، انظر:
Bradley Hope and Justin Scheck, Blood and Oil: Mohammed bin Salman’s Ruthless Quest for Global Power (Hachette Books, 2020), passim; Ben Hubbard, MBS: The Rise to Power of Mohammed Bin Salman (Tim Duggan Books, 2020), pp. 128, 208-211 and 277; The Machiavellian Prince: Welcome to Salman Arabia, site of Mail & Guardian, 14/11/2017, https://mg.co.za/article/2017-11-14-the-machiavellian-prince-welcome-to-salman-arabia; and Iman Mujahid, Rise of Saudi’s Machiavelli and Pakistan’s Dilemma, site of LinkedIn, 17/7/2023, https://www.linkedin.com/pulse/rise-saudis-machiavelli-pakistans-dilemma-iman-mujahid
[37] Saudi Arabia’s Mohammed bin Salman garners little trust from people in the region and the U.S., site of Pew Research Center, 29/1/2020, https://www.pewresearch.org/short-reads/2020/01/29/saudi-arabias-mohammed-bin-salman-garners-little-trust-from-people-in-the-region-and-the-u-s
[38] Richard Haass, “U.S. Must Shed Its Illusions About Saudi Arabia’s Crown Prince,” site of Council on Foreign Relations, 19/10/2018.
[39] وليد عبد الحي، “النظام الإقليمي العربي: استراتيجية الاختراق وإعادة التشكيل،” مجلة سياسات عربية، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 1، آذار/ مارس 2013، ص 7-22؛ وانظر أيضاً:
European Policy Brief, site of Istituto Affari Internazionali, March 2019, https://www.iai.it/sites/default/files/menara_pb_4.pdf
[40] Anthony H. Cordesman and Nicholas Harrington, Stability in the Middle East: The Range of Short and Long-Term Causes, site of Center for Strategic and International Studies (CSIS), 9/4/2018, https://www.csis.org/analysis/stability-middle-east-range-short-and-long-term-causes
[41] The Story Of The Assassination Of King Faisal, Arab Education Reformist, site of VOI, 25/3/2020, https://voi.id/en/memori/4035#:~:text=Faisal%20bin%20Musaid%20put%20his,later%20arrested%20by%20the%20military
انظر أيضاً:
استخدمه الملك فيصل أول مرة.. هل تهدد السعودية الغرب عبر سلاح النفط؟، موقع TRT عربي، 25/3/2022، في: https://www.trtarabi.com
[42] Understanding Procurement Acquisition Lead Time (PALT) in Government Contracting, LinkedIn, 14/3/2023, https://www.linkedin.com/pulse/understanding-procurement-acquisition-lead-time-palt-government
[43] “Vision 2030: Kingdom of Saudi Arabia,” Vision2030, https://www.vision2030.gov.sa/media/rc0b5oy1/saudi_vision203.pdf
[44] “الصادرات النفطية”، موقع الهيئة العامة للإحصاء، المملكة العربية السعودية، أيلول/ سبتمبر 2016، في: https://www.stats.gov.sa/sites/default/files/oil_exports_september_2016_ar.pdf؛ وانظر أيضاً:
Merchandise exports decrease by 2.8% in January 2023, International Trade January 2023, site of General Authority for Statistics, Kingdom of Saudi Arabia, https://www.stats.gov.sa/sites/default/files/ITR%20JAN2023E.pdf
وطبقاً للحساب العام للصادرات فقد انخفض في أيار/ مايو 2023 إلى 74.1% مقابل 80.8% في نهاية سنة 2022. انظر:
Saudi oil exports down 40% in May y/y – statistics agency, site of Reuters News Agency, 25/7/2023, https://www.reuters.com/markets/commodities/saudi-oil-exports-down-40-may-yy-statistics-agency-2023-07-25
مع ضرورة ملاحظة ان النسبة تتأثر بارتفاع وانخفاض اسعار النفط قياسا لاسعار السلع الاخرى.
[45] The Economist Democracy Index, site of Wikipedia, https://en.wikipedia.org/wiki/The_Economist_Democracy_Index
[46] Executions Around the World, site of Death Penalty Information Center, https://deathpenaltyinfo.org/policy-issues/international/executions-around-the-world
للاطلاع على الورقة العلمية بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة علمية: الآفاق المستقبلية للعلاقات الإيرانية السعودية … أ. د. وليد عبد الحي (33 صفحة، 4.3 MB) |
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 28/9/2023
أضف ردا