مدة القراءة: 17 دقائق

 إعداد: قسم الأبحاث في مركز الزيتونة.

مقدمة:

بالتزامن مع اشتعال الجبهة الجنوبية في قطاع غزة، وتورط جيش الاحتلال للشهر الثامن على التوالي في عدوان ما زالت نهاياته غير واضحة بعد، تواصل الجبهة الشمالية مع لبنان اشتعالاً آخر، وإن بوتيرة أخفّ، لكنها تشكل استنزافاً للاحتلال، أخذ في الأسابيع الأخيرة مديات غير مسبوقة منذ بدايته مع اندلاع حرب غزة.

وقد شهدت الأيام الأخيرة ذروة هذا التصعيد للجبهة الشمالية، بفعل الصواريخ التي أطلقها حزب الله من شتى الأنواع، وأسفرت عن احتراق مساحات واسعة من الحقول الزراعية، ووقوع قتلى وجرحى إسرائيليين كثر، واستمرار نزوح عشرات آلاف المستوطنين هناك، مما زاد من التهديدات الإسرائيلية بتنفيذ عملية عسكرية في جنوب لبنان، وجد بعضها طريقه للتنفيذ من خلال اغتيال عدد من قادة الحزب الميدانيين، من ذوي الأقدمية الطويلة في أروقته العسكرية، مما شكّل له خسارة حقيقية.



للاطلاع على تقدير الموقف الموسع بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>>  تقدير موقف: الخيارات الإسرائيلية تجاه العدوان على لبنان … قسم الأبحاث في مركز الزيتونة (20 صفحة، 1.2 MB)


ومع ذلك، فلم تتوافق المؤسسة الإسرائيلية بشقّيها: السياسي والعسكري، على الأقل ظاهرياً، على الشكل المتوقع للردّ على تصاعد التوتر في الجبهة الشمالية، ولا يتوقع أن تصل إلى خيار ما، في ظلّ كلفة كل خيار على حدة، وعدم سهولة الأخذ بواحد منها، بمعزل عن تبعاته الداخلية والخارجية.

هذا التقدير سينشغل أساساً في قراءة المشهد، في محاولة لوضع تقدير موقف ميداني وسياسي من وجهة النظر الإسرائيلية، لما هو حاصل فعلاً على الجبهة الشمالية، من خلال معالجة جملة من المحاور، واستشراف السيناريوهات المتوقعة، وترجيح وقوع أي منها.

أولاً: العوامل المؤثرة في صناعة القرار الإسرائيلي تجاه حرب مع لبنان:

تكشف لغة الأرقام أن حزب الله نفذ قرابة ألفي عملية مختلفة ضدّ أهداف إسرائيلية متنوعة منذ بدء الحرب على غزة في 7/10/2023، ومنذ نيسان/ أبريل 2024، ارتفع معدل هجماته إلى 10 يومياً، كما شهد شهر أيار/ مايو العدد الأكبر منها، وبلغت 325 مقارنة بـ 238 في نيسان/ أبريل، كما نفَّذ 85 عملية تسلل لطائرات بدون طيار، مقارنة بـ 42 عملية في نيسان/ أبريل، و24 في آذار/ مارس، و7 في شباط/ فبراير 2024، أي أننا أمام ارتفاع في هجماته بنسبة 36%، تسببت باندلاع الحرائق في عشرات آلاف الهكتارات، وتدمير عدد من المؤسسات المدنية والقواعد العسكرية.[1]

أما الاحتلال، فنفّذ منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023 ونهاية أيار/ مايو 2024 قرابة 5 آلاف عدوان، شملت قصفاً جوياً، وقنابل مضيئة أو حارقة، وقذائف فوسفورية، وإطلاق نار، وأصابت معظم المحافظات الجنوبية في لبنان، خصوصاً النبطية والجنوب وبعلبك الهرمل والبقاع وجبل لبنان، واندلعت حرائق في 15 مليون متر مربع؛ مع خسائر كبيرة في أشجار الزيتون والسنديان والأشجار المثمرة، وفقد حزب الله 330 من عناصره، إضافة لمئة مدني لبناني.[2]

تؤكد هذه الأرقام، من وجهة النظر الإسرائيلية، أن حزب الله، وخلفه إيران، عقدا العزم على متابعة حالة الاستنزاف للاحتلال على مختلف الجبهات: لبنان شمالاً، والعراق شرقاً، واليمن جنوباً، بانتظار أن يوقف عدوانه الشامل على قطاع غزة، وقد أدرك الاحتلال هذه القناعة في ضوء ما أعلنه الحزب من مواقف رسمية على لسان قيادته الأولى، بجانب ما وصله من رسائل عبر الوسطاء الأمريكيين والفرنسيين.[3]

هذا يدفعنا لرصد أهم العوامل المؤثرة في صناعة القرار الإسرائيلي تجاه التصعيد مع لبنان، من أهمها:

1. العامل الأهم في هذا السياق ذو طبيعة عملياتية قتالية ميدانية، أي أن الأمر منوط بالمستوى المهني العسكري، وتحديداً ما هي الخطط المتوفرة لدى الاحتلال تجاه الحزب، وهذا المستوى بدوره سيطلب إجابة من المستوى السياسي عن طبيعة الردّ الذي يسعى إليه، بين كونه ردّاً محدوداً ردعياً، أم عملية واسعة النطاق، قد تصل حدّ اندلاع حرب شاملة، بما فيها اجتياح بري في عمق الأراضي اللبنانية.

2. الإدراك الإسرائيلي أن ما يقوم به الحزب إنما يشكل تهديداً حقيقياً على الجبهة الشمالية خصوصاً، والدولة عموماً، يستدعي الردّ عليه، بغض النظر عن طبيعته العسكرية، وحجمه القتالي، وعمقه الجغرافي، وسقفه الزمني، لأن الصمت عليه، و”غضّ الطرف عنه”، وكأن شيئاً لم يكن، يعني استكمال تبدد نظرية الردع التي قضم هجوم حماس في 7/10/2023 جزءاً كبيراً منها.[4]

3. هناك إدراك آخر لا ينفصل عن سابقه، مفاده أن الردّ على الحزب سيستدعي منه ردّاً على الردّ، وبالتالي إمكانية تدحرج الأمور لمواجهة مفتوحة تبقى قائمة، مما قد يخلط الأوراق في المنطقة، وفي هذه الحالة سيتجاوز الأمر الحزب والاحتلال إلى أطراف إقليمية ودولية.

4. العامل الذي بات مرافقاً لكل القراءات الإسرائيلية يتعلق بأن استمرار الحرب في الجبهة الجنوبية مع غزة سيُبقي على التصعيد في الجبهة الشمالية مع لبنان قائماً، أي أننا أمام تناسب طردي بات من الصعب إحداث انفكاك بينهما، وهنا تظهر حالة من التوافق الإسرائيلي الداخلي، لا سيّما لدى الأوساط المهنية، أنه من الصعب الذهاب إلى جولتين قتاليتين في آن واحد معاً.[5]

5. في ضوء التراجع الدولي الحاصل في مكانة دولة الاحتلال، وحاجتها الماسّة إلى دعم الحليف الأول، الولايات المتحدة، فإن أي توجه عسكري شمالاً يستدعي بالضرورة التنسيق معه، وأخذ الموافقة منه، على الرغم من أن الأخيرة أعلنت غير مرة عدم تأييدها لنشوب حرب في هذه الجبهة لكثير من الاعتبارات.

6. توفر معلومات دقيقة لدى أجهزة أمن الاحتلال حول حجم التدخل الذي ستقوم به الجهات الحليفة للحزب في حال تعرّض لهجوم إسرائيلي، لا سيّما غزة أو سورية أو اليمن أو العراق، وربما إيران ذاتها.

7. يبقى العامل الإسرائيلي الداخلي مهماً في مسألة اتخاذ القرار باتجاه لبنان، سواء بين الائتلاف والمعارضة، أم داخل الائتلاف ذاته، أم بين المستويين السياسي والعسكري.

الحقيقة أن هذه العوامل، على أهميتها، لا تشكل وحدها القول الفصل في اتخاذ القرار الإسرائيلي نحو لبنان، فهناك عوامل أخرى لا تقل أهمية يستحضرها صانع القرار الإسرائيلي نظراً لما لها من تأثير في ترجيح كفة قراره باتجاه هذه الجبهة المشتعلة.

يضاف للعوامل الواردة أعلاه ما ظهر لافتاً خلال الأيام الأخيرة من إطلاق قادة الاحتلال لسيلٍ من التهديدات باتجاه لبنان والحزب معاً، وضرورة جباية ثمن باهظ منهما بسبب تحويل ساحة الشمال إلى أرض مُقفرة بفعل صواريخه وقذائفه التي لم تتوقف، حتى تحول جنود الاحتلال إلى “بطّ في ساحة المرمى”، وباتت طرق الشمال فارغة من المركبات باستثناء الدبابات وسيارات الإسعاف التي تنقل المصابين والقتلى.[6]

هذا قد يعني، أن يذهب الاحتلال لتنفيذ عدوان عسكري ما باتجاه لبنان، بغض النظر عن طبيعته، لأن استمرار مشاهد الحرائق في الجليل، وإرسال المسيّرات من لبنان،[7] وتوافد المصابين والقتلى لمستشفيات الشمال، كلها مؤشرات على تهاوي ردعه أمام الحزب، وتمنحه مزيداً من الفرص لتكثيف ضرباته، مما يستدعي من الاحتلال اتخاذ قرار تاريخي بالتصدي لهذه الهجمات، ومحاولة كبح جماحها، وإلا فإن حالة التآكل الجارية للإجراءات الأمنية على حدود “الدولة” شمالاً وجنوباً ستشجّع في نهاية المطاف قوى ودولاً أكبر من حماس والحزب لتنفيذ هجمات أكثر فتكاً بالاحتلال.

ثانياً: الأولويات الإسرائيلية في إدارة المعركة ضدّ غزة، وإمكانية توسيع دائرتها:

تكاد تُجمع الأوساط العسكرية الأمنية والإسرائيلية على أن التحدّي الحقيقي أمام الاحتلال في هذه المرحلة هي جبهة غزة، فهي الأكثر ضغطاً على دوائر صنع القرار التي تعتقد أنه لا بدّ من استكمال أهداف الحرب فيها حتى نهايتها، على الرغم من أن أكثر من ثمانية أشهر مرّت لم يحقق فيها الاحتلال أهدافه: فلا المختطفون عادوا، ولا تمّ القضاء على حماس، وما زالت المقاومة تشكّل تهديداً على الاحتلال، بل إنها، وعلى الرغم مما تلقته من ضربات موجعة، لكنها ما زالت واقفة على قدميها، وتُثخن الجراح في جنود الاحتلال وضباطه.

هذه القناعة المتوفرة لدى غالبية النخب السياسية والعسكريةـ، البعيدة عن دوائر القرار، وغير المتأثرة بالتجاذبات والاستقطابات الحاصلة في الحلبة الحزبية، تجعلها تحذّر بصوت عالٍ من أي مغامرة ينفذها الجيش استجابة لرغبات المستوى السياسي الغارق في وحل غزة، ويريد تحسين أوضاعه في استطلاعات الرأي من خلال الانتقال إلى مستنقع آخر في لبنان.[8]

هذه القناعة تدفع بدوائر صنع القرار في تل أبيب لعدم الانشغال بأي جبهة أخرى عن الجبهة الأساسية في غزة، ومع ذلك، فإن تعامل الاحتلال مع التوتر الحاصل على الجبهة الشمالية يُظهر تناقضاً لافتاً، فهو من جهة يعلم أن كلمة السرّ في وقف تصعيدها هو نهاية العدوان على غزة، لكنه من جهة أخرى يُمعن في تورّطه في الجبهتين معاً، دون أن يعرف أحد، حتى كتابة هذه السطور، مآلات هذا التصعيد إلى أين.[9]

من جهة أخرى، تتحدث محافل إسرائيلية تُبدي تشجّعها لشنّ الحرب على لبنان، أن الحرب في غزة استنفذت أغراضها، وبالتالي ما يحدث فيها منذ نيسان/ أبريل 2024 حين انسحب الجيش من مدينة خانيونس، هو تكرار لجولات سابقة من القتال، دون أن يحقق فيها إنجازات تُذكر تؤثر في سير المعركة، مما دفع هذه المحافل لرفع صوتها عالياً بالقول: لماذا يواصل الجيش “عبثه” في شوارع غزة وأزقتها دون هدف حقيقي بعدما تمّ التراجع الفعلي عن شعار “النصر المطلق”، الأمر الذي يستدعي التوقف عند هذه اللحظة، وإبرام صفقة تبادل مع حماس، وإعلان وقف لإطلاق النار، والتوجه شمالاً حيث الخطر الداهم الحقيقي المتربّص بدولة الاحتلال، وفقاً لمن يتبنّى هذه الفرضية.

إن توفر قرار إسرائيلي بفتح مواجهة مع حزب الله في الوقت ذاته الذي تتواصل فيه حرب غزة، يكشف جملة من الإشكاليات الذاتية والموضوعية أمام الاحتلال، من أهمها:

1. عدم وجود توافق تام بين أركان المؤسستين السياسية والعسكرية على تنفيذ هجوم ما ضدّ الحزب في الوقت ذاته الذي ما زال الجيش متورطاً في غزة، بغض النظر عن التصريحات الإعلامية التي تخرج لطمأنة الرأي العام الإسرائيلي الداخلي.[10]

2. حالة الإنهاك التي يواجهها الجيش الغارق في غزة، والشكاوى المتزايدة عما يواجهه من مقاومة شرسة، وتعثّره المتزايد مع مرور الوقت في تحقيق أهدافه.

3. التخوف من اتّساع رقعة المواجهة الإقليمية، فبعد انضمام الحوثيين والمقاومة العراقية إلى حماس في غزة عبر بعض عملياتهما ضدّ الاحتلال، فإن انخراطهما للدفاع عن حزب الله سيكون أكثر تأثيراً.

4. خشية الاحتلال مما لدى الحزب من قدرات هي أضعاف مضاعفة مما لدى حماس، الأمر الذي سيجعل من جبهته الداخلية في حالة استنزاف وتآكل غير مسبوقتين.[11]


مع العلم أن جيش الاحتلال الذي سبق أن تدرب في السنوات الأخيرة على شنّ حرب على عدة جبهات في آن واحد معاً، كشفت له الشهور الثمانية الأخيرة، ولكل الإسرائيليين، أن المناورات شيء، وخوض الحرب شيء آخر، وما واجهه الجنود الاسرائيليون من مقاومة عنيدة شرسة ضارية من مقاومي غزة، وأسفر عن مقتل وإصابة المئات منهم، يجعل قادتهم ليس بوارد الدخول في مواجهة أخرى في جبهة جبلية ليسوا معتادين عليها مثل جنوب لبنان، وإن كان هناك من يرى أنه بالإمكان الجمع بين المعركتين، على صعوبة هذا الخيار.[12]

لكن السؤال الحقيقي يتمحور حول مدى الترابط القائم بين شنّ جيش الاحتلال لحرب على لبنان، أياً كان شكلها وعمقها، وبين وقف حرب غزة، طالما أنه يصعب عليه خوض حربين ضاريتين في آن واحد معاً، مما قد يستدعي منه وقف أحدهما، وعدم الذهاب إليهما في الوقت ذاته.

الاستخلاص المهم في هذه الجزئية أنه بعد أكثر من ثمانية شهور من العدوان على غزة، يمرّ جيش الاحتلال بحالة من الإنهاك والاستنزاف تجعله بحاجة لأخذ استراحة محارب قد تمتد شهوراً، وربما سنوات، تتضمن إعادة هيكلة قواته، وإعداد برامج تدريبات جديدة، والتخلص من فكرة “الجيش الذكي”، والعودة إلى نموذج “جيش الشعب”، وغيرها من الخطط العسكرية التي بدأت الأكاديميات الإسرائيلية تجهّزها للجيش في محاكاة لما مرّ به سابقاً عقب انتكاسته في حرب 1973.[13]

ثالثاً: تقدير الإمكانات العسكرية لحزب الله، وإمكانات انضمام إيران وحلفائها للحرب:

إن رصداً للتهديدات الإسرائيلية ضدّ لبنان، خصوصاً من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu، في الوقت الذي يتعثّر عدوانه على غزة، يكشف أنها لم تجد طريقها نحو التنفيذ، وليس أدلّ على ذلك من قراءة تهديداته “الثمانية” ضدّ الشمال، وجميعها حملت المفردات ذاتها، وتمحورت حول “أننا جاهزون لعملية قوية جداً في الشمال إذا استمر الحزب في مهاجمتنا”، أعلنها في 8/10/2023، وكرّرها في 5/6/2024.

جزء آخر من هذه التهديدات ضدّ الحزب مصدرها وزير الحرب يوآف جالانت Yoav Gallant، ورئيس هيئة الأركان العامة هآرتسي هاليفي Herzi Halevi، اللذان يجدان نفسيهما في سباق مع الزمن لترميم صورتهما المتآكلة عقب إخفاق تشرين الأول/ أكتوبر الذي بات لصيقاً بهما، بالإضافة إلى تعثرهما الجاري في حربهما الفاشلة على غزة،[14] بجانب عدد من الجنرالات المتقاعدين في صفوف الاحتياط.[15]

في الوقت ذاته، يدرك الإسرائيليون أن هناك مسافة طويلة غير معبّدة بين إطلاق التهديد بشن حرب على لبنان، وتنفيذ هذا التهديد، مما يجعلهم على قناعة بأن جزءاً أساسياً من هذه التهديدات يتم إطلاقها لاستحقاقات داخلية في الحلبة الحزبية والسياسية الإسرائيلية، وما يعنيه ذلك من مزاودات بين الائتلاف والمعارضة، أو داخل الائتلاف ذاته، الذي لا يعيش أحسن أوضاعه في هذه المرحلة بسبب التعثرات الجارية في حرب غزة، وانسحاب مكون أساسي منه متمثلاً بالجنرالين بيني جانتس Benny Gantz وجادي آيزنكوت Gadi Eisenkot.[16]

لا يخفي قطاع واسع من كبار ضباط هيئة الأركان العامة لجيش الاحتلال تخوفهم من أن المواجهة السائدة في الجنوب لا تُضاهي ما ينتظرهم في حال اندلاع مواجهة أخرى في الجبهة الشمالية، صحيح أن حماس كبّدت الاحتلال أثماناً باهظة، لكن الحزب، بما لديه من قدرات عسكرية وإمكانيات قتالية، وجسر جوي مفتوح مع إيران، يجعل الجبهة الداخلية للاحتلال في مرمى صواريخه، من أقصاها إلى أقصاها، من إيلات جنوباً إلى رأس الناقورة شمالاً، وليس فقط “ما بعد حيفا”، كما هدد بذلك أمينه العام في مرحلة سابقة.[17]

إن كبار الضباط والجنرالات الإسرائيليين الممسكين بملف الشمال، ويعرفون تفاصيله العملياتية، يدركون أكثر من سواهم أنهم ليسوا ذاهبين إلى جولة تصعيد عابرة مع الحزب إذا ما دقت طبول الحرب، مما يجعل صوتهم منخفضاً في إطلاق التهديدات ضده، لأنهم يعلمون أن الجيش في قطاعاته الشمالية ليس في أفضل حالة من الجاهزية للدخول في مواجهة من هذا النوع.[18]

هنا يمكن الحديث عن قدرات الحزب العسكرية والقتالية التي ستوجه ضربات دامية لجيش الاحتلال الذي لم يتعافى بعد من الضربات التي وجهتها له حماس في غزة، في ضوء امتلاكه لهذه الإمكانيات:

1. إطلاق 1,000 صاروخ يومياً، لأنه يمتلك 30 ألف صاروخ “زلزال 1 وزلزال 1” يصل مداها 200 كم وأكثر، وآلاف صواريخ “فاتح 110” يصل مداها 300 كم، وصواريخ سكود.[19]

2. وضع العديد من المدن والبلدات في فلسطين المحتلة في مرمى نيرانه، ليس فقط في الجليل والجولان، بل أيضاً في حيفا وكريات شمونة ومنطقة الشارون، وصولاً للضفة الغربية وتل أبيب، مما يعني إصابة ملايين الإسرائيليين بالشلل الاقتصادي.

3. طوّر الحزب أسلحة إيرانية الصنع وصواريخ دقيقة كفيلة بالإضرار بالبنية التحتية الاستراتيجية للاحتلال، خصوصاً محطات الطاقة.[20]

4. في سنة 2023، أجرى جيش الاحتلال مناورة حربية في الشمال، بموجبها سيُقتل 300 جندي وإسرائيلي في الأيام التسعة الأولى من الحرب مع الحزب، وستلحق أضرار جسيمة بـ 80 مبنى وموقعاً على نطاق واسع إذا اندلعت الحرب.

5. بينما واجه جيش الاحتلال في غزة قرابة 40 ألف مقاتل من حماس، فإنه أمام الحزب سيواجه أضعاف هذا العدد، قد يصل إلى 100 ألف مقاتل.

6. حيازة كمية كبيرة من الصواريخ المضادة للدبابات واسعة النطاق، تُقدّر بأكثر من 4 آلاف صاروخ متقدم، وآلاف قذائف الآر بي جي RPG، مما سيفرض على الاحتلال تحدّياً كبيراً في حال قرر الاجتياح البري لجنوب لبنان.

7. توفر كمية كبيرة من العبوات الناسفة، وزن بعضها طن ونصف طن، يمكنها أن تدمر دبابة، وهناك أنفاق ينتشر فيها مقاتلوه.

8. امتلاك مئات الصواريخ المضادة للطائرات، أثبتت قدرتها ضدّ الطائرات بدون طيار الإسرائيلية، بما في ذلك الأكبر والأكثر تقدماً.

9. في الساحة البحرية، يمتلك الحزب عدة عشرات من صواريخ “ياخونت Yakhont” و”سي 802 أو C 802″.[21]

المصدر: يوفال أزولاي، السيناريو الذي لا يمكن تصوره مع حزب الله، موقع صحيفة كالكاليست، 8/2/2024، انظر:
https://newmedia.calcalist.co.il/magazine-08-02-24/m01.html (باللغة العبرية)

تكشف هذه المعطيات الإحصائية عما سيواجهه الاحتلال من تحديات عسكرية قتالية غير مسبوقة في حال اقتصرت المواجهة على حزب الله وحده، على الرغم مما سيوجهه من ضربات غير مسبوقة في الاتجاه المعاكس للحزب وللدولة اللبنانية عموماً، ولكن في حال انضمام قوى إقليمية أخرى للحرب: في سورية والعراق واليمن وإيران، فسيكون الاحتلال بالتأكيد أمام اتِّساع لرقعة المواجهة، ومضاعفة لخسائره.

ولذلك فإن هذه الجزئية بالذات ستشكّل نقطة محورية في اتخاذ القرار الإسرائيلي باتجاه لبنان، على اعتبار أنه سيكون أمام تحقق فعلي لسيناريو “الحرب متعددة الجبهات” الذي أسماه البعض “سيناريو يوم القيامة”، نظراً للمخاطر التي تواجه الاحتلال في حال تحققه بالفعل.

رابعاً: المواقف الدولية والإقليمية، وتأثيرها على تصعيد الحرب ضدّ الجبهة الشمالية:

لم يعد سرّاً حالة التوتر المتصاعدة بين تل أبيب وواشنطن على خلفية تأزم الحرب في غزة، وعدم انصياع الاحتلال للرغبة الأمريكية بوقف العدوان الجاري على غزة، لاعتبارات أمريكية بالدرجة الأولى، ولذلك قد يجد الإسرائيليون صعوبة في تحصيل موافقة أمريكية على خوض حرب جديدة ضدّ لبنان، حتى لو كان عنوانها حزب الله.[22]

هناك احتمال كبير بألّا يجد الاحتلال واشنطن بالجاهزية ذاتها التي كانت عليها بعد هجوم 7/10/2023، لأنها قد لا ترى في عملية عسكرية ضدّ الحزب ولبنان معركة وجودية كما وصفت العدوان على غزة حينها، بالإضافة إلى توتر العلاقات القائم أساساً بين جو بايدن Joe Biden ونتنياهو بسبب حالة التحدّي التي يبديها الأخير تجاه سيد البيت الأبيض، ومحاولاته المتواصلة لإسقاطه في الانتخابات الرئاسية.[23]

هذا البند يُحتّم على دوائر صنع القرار الإسرائيلي أن تمتلك مزيداً من الأناة في إمكانية تحويل تهديداتهما إلى سلوك عملي على الأرض، لا سيّما وأن مثل هذا التهديد في حال تنفيذه سيكون بالضرورة، مرتبطاً بموافقة وتنسيق مسبقَيْن وكاملَيْن مع الولايات المتحدة، الساعية بكل ثقلها لتحقيق الهدوء في المنطقة عشية انتخاباتها الرئاسية الوشيكة، صحيح أننا نشهد حالة مما يمكن وصفها “تمرّداً” من قبل نتنياهو على الرئيس جو بايدن، لكن الحديث عن حرب على لبنان يتجاوز الطرفين، والإقليم بأسره، وصولاً إلى المنظومة الدولية بأسرها.

في الوقت ذاته، لا تخفي واشنطن مخاوفها من تمدد الحرب اللبنانية الإسرائيلية المحتملة لتشمل:

1. عسكرياً: من خلال استهدافات متزايدة لقواعد أمريكية منتشرة في المنطقة في حال انضمام إيران واليمن وسورية والعراق، الأمر الذي يعين إشعال المنطقة عسكرياً.

2. اقتصادياً: بما يترتب على تصعيد هجمات الحوثيين في باب المندب والبحر الأحمر، وتأثيرها المؤكد على أسعار النفط.

3. سياسياً: من خلال إرجاء ملف التطبيع الإسرائيلي مع السعودية، وعودة التوتر بين إيران وجاراتها العربية.

كل ذلك سيلقي بالتأكيد بظلاله السلبية على موقف الرئيس بايدن الانتخابي، وهو ما يشكل له النقطة الأهم في كل الحراك الحاصل في المنطقة، وقد تجلّت بعض آثار دعمه للعدوان الإسرائيلي على غزة في تراجع أسهمه الانتخابية في بعض الولايات الأساسية.

في الوقت ذاته، يمكن للمؤسسة العسكرية في الجانبين، تل أبيب وواشنطن، اللتان تُظهران انسجاماً أكثر مما هو سائد في المؤسستين السياسيتين لديهما، أن تتوصلا إلى تفاهمات معينة لتوجيه ضربة ما إلى حزب الله، تكون كفيلة بألا تجرّ المنطقة إلى حرب شاملة، وهي مسألة بالتأكيد غير مضمونة.

على الصعيد الإقليمي، لا يبدو أن إيران ستكون بمعزل عن أي مواجهة مفترضة بين الحزب والاحتلال، بل ستكون منخرطة أيّما انخراط، وفق التقدير الإسرائيلي، وستقوم بتفعيل نفوذها في المنطقة لاستهداف المصالح الأمريكية والإسرائيلية، وربما بعض العربية الحليفة لهما.

هذا الانخراط الإيراني المتوقع في أي مواجهة مفترضة بين الحزب والاحتلال لعله يفسر لقاء قائد جيش الاحتلال هاليفي مع نظرائه في خمس دول عربية في البحرين هذه الأيام، وهي: السعودية والبحرين ومصر والأردن والإمارات، تحت رعاية قائد القيادة المركزية الأمريكية “سنتكوم CENTCOM” الجنرال إريك كوريلا Erik Kurilla، وبحث “التعاون الأمني الإقليمي”، الذي يشمل المشاركة الفعالة في اعتراض الصواريخ والمسيّرات التي تطلق من إيران والعراق واليمن باتجاه دولة الاحتلال، وتمر عبر مجالها الجوي.[24]

في المقابل، فإن أي مواجهة عسكرية في الجبهة الشمالية، وفي حال خرجت الأمور عن السيطرة، فمن المتوقع أن تترك تأثيراتها السلبية على مسار التطبيع السعودي الإسرائيلي، على الرغم من ما تكنّه المملكة من مواقف سلبية تجاه الحزب، لكن انتقال العدوان الاسرائيلي من غزة إلى لبنان سيضع أمامها عقبات كأداء في المضيّ قدماً بهذا المسار، مرحلياً على الأقل.

خامساً: السيناريوهات المحتملة والسيناريو المرجح:

لا يمتلك أيّ من الإسرائيليين قراءة تقديرية ما عن طبيعة مآلات التصعيد الحاصل في الجبهة الشمالية، على اعتبار أنها فاجأتهم فعلاً، بعد أن روّج قادتهم وأجهزتهم الأمنية أنهم قادرون على الانفراد بغزة لوحدها، لكن الحرب أثبتت بطلان هذه الفرضيات والتقديرات، الأمر الذي يشجع على توقع أخطاء جديدة في التقديرات الإسرائيلية بعدما كُشفت في أسوأ ظروفها في هجوم 7/10/2023.[25]

تزعم المحافل العسكرية القريبة من هيئة أركان جيش الاحتلال أن الأخيرة لديها العديد من المخططات، لكيفية التعامل مع التحدي المتصاعد في الجبهة الشمالية، دون الوقوف خلف فرضيتين لا ثالث لهما: إما الاستسلام لضربات حزب الله، أو خوض حرب لبنان الثالثة الشاملة، الأمر الذي يفسح المجال للحديث عن السيناريوهات المتوقعة للمواجهة الدائرة شمالاً، وكيف يمكن لها أن تنتهي بحرب أو تسوية.[26]

ومع ذلك، يمكن في هذه العجالة الحديث عن سلسلة من السيناريوهات المتوقعة لما قد تؤول إليه الأوضاع الأمنية المتصاعدة في الجبهة الشمالية على النحو التالي:

1. خيار العملية العسكرية المحدودة، التي تتضمن توجيه ضربات جوية مركَّزة باتجاه أهداف للحزب في الجنوب اللبناني والضاحية، لا سيّما مواقع عسكرية وتخزين أسلحة، وربما استهداف كوادره الميدانية، كان آخرها اغتيال القائد العسكري الأبرز للحزب، طالب عبد الله، وهو الاغتيال الإسرائيلي الأقوى لقادة عسكريين في الحزب.[27]

مثل هذا الخيار يبدو بنظر صانع القرار الإسرائيلي “مقدوراً عليه”، ويمكن تحمّل ردود الحزب عليه، لأنه سيعلم أن الاحتلال ليس بوارد توسيع دائرة النار لتشمل حرباً شاملة، لكنه سيواجه من جديد الإخفاق في قراءة الطرف الآخر من المشهد، فهل ينطلق الاحتلال من معلومات حصل عليها بطرقه الاستخبارية، أم هي انطباعات شخصية لدى بعض ضباط الجيش والأمن، أم أن الحزب مرّر عليهم هذه القناعات بهدف خديعتهم، كما فعلت حماس من قبل.[28]

في الوقت ذاته، يمكن للاحتلال تسويق مثل هذا الخيار لدى الأمريكيين غير الراغبين بزيادة جبهات القتال في المنطقة، وإن كانوا في الأسابيع الأخيرة ليسوا واثقين بالحكومة الإسرائيلية، ومن يقف على رأسها، بل متأكدين من كذبها، وليّ عنق الحقائق، وقدرتها على التلاعب بحلفائها الأساسيين، مما سيجعل واشنطن متروّية في إعطاء ضوء أخضر لمثل هذا الخيار الإسرائيلي.

2. الحرب الشاملة، المعروفة في الاصطلاح العسكري الاسرائيلي “حرب لبنان الثالثة” أو “حرب الشمال الأولى”، في ظلّ استباحة الحزب للجبهة الشمالية، واستمراره في إشعال الحرائق في الحقول الزراعية،[29] وتصاعد الاتهامات الموجهة للحكومة والجيش من المعارضة والرأي العام بالفشل والإخفاق أمام الحزب، مما يستدعي منهما الذهاب لهذا الخيار المكلف والخطير على الجانبين، وربما المنطقة بأسرها.

الحقيقة أن هناك العديد من الكوابح التي قد تَحوْل دون ذهاب الاحتلال إلى سيناريو “نيرون وإحراق روما”: داخلية وخارجية، ذاتية وموضوعية، سياسية وأمنية وعسكرية واقتصادية، مما يجعله لا يحظى بكثير من الأفضلية والترجيح، لكثير من الاعتبارات والعوامل التي تشكل أمام الاحتلال عقبات كأداء تحول دون ذهابه إلى خيار يبدو انتحارياً بنظر الكثير من الإسرائيليين.[30]

ومع ذلك، وعلى الرغم من عدم وجود فرص كبيرة لتحقق هذا الخيار “الانتحاري”، فلا يجب استبعاده كلياً في ظلّ وجود حكومة يمينية فاشية ترى أن مهمتها الأساسية هي إشعال النيران في كل الجبهات، بزعم استعادة الردع الإسرائيلي المتآكل، وإعادة تثبيت دولة الاحتلال كـ”شرطي المنطقة”، بعدما تراجع دورها في كل المجالات خلال السنوات الأخيرة.[31]

3. التسوية السياسية في المنطقة: في الوقت الذي تواصل فيه الجبهة الشمالية الاشتعال المتبادل بين الحزب والاحتلال، فما زال الوسطاء يجرون مشاوراتهما معهما، دون أن تخرج هذه المباحثات إلى وسائل الإعلام، لأن هناك العديد من القوى الإقليمية والدولية حريصة على عدم انفلات الأمور عن زمامها في الساحة اللبنانية، ولكل طرف حساباته ومصالحه.[32]

من الصعب أن تجد هذه الوساطات طريقها إلى النجاح طالما أن العدوان على غزة متواصل، وهو ما فهمته كل الأطراف، لكن الاحتلال وداعميه حول العالم يسعون بالترغيب والترهيب مع الحزب لمحاولة إيجاد ثغرة ما في موقفه تضع حدّاً لتصعيده الذي استنزف الاحتلال على مدار شهور طويلة ماضية، ويتوقع لها أن تستمر في قادم الأيام طالما استمرت حرب غزة.

4. توقف حرب غزة: هنا الكلمة “السحرية” الكفيلة بتوقف التصعيد الجاري على جبهة الشمال، على الرغم من تعثر هذا الخيار بسبب عدم رغبة الاحتلال في وقف عدوانه، لأسباب عديدة لا مجال لذكرها الآن، لكن في حال تحقق، فحينها ستهدأ كل الجبهات، بما فيها الشرقية مع العراق، والجنوبية مع اليمن، لكن ذلك قد يحمل في بذوره استعداداً إسرائيلياً لشنّ حرب على لبنان، بعد أن يكون قد ضمن هدوء جبهة غزة.[33]

مع العلم أن مثل هذا السيناريو قائم، وقائم بقوة، لدى الاحتلال، ولا شكّ أن الحزب متيقّظ له، لكن فرضية تحققه ليست واردة على الأقل في المدى المنظور، لأن دولة الاحتلال، بمؤسساتها العسكرية والاقتصادية والمجتمعية، لا شكّ أنها ستكون بحاجة لالتقاط أنفاسها في حال وضعت الحرب في غزة أوزارها، وربما سيأتي يوم تندلع فيه مواجهة ما مع حزب الله، لكن ليس بالضرورة في المدى القريب القادم.

5. تفعيل المعركة بين الحروب: والمقصود بها رفع وتيرة الاغتيالات في لبنان وسورية وإيران، واستهداف مراكز السيطرة والتحكم، ومواقع تخزين الأسلحة والصواريخ، وهي سياسة ما زالت قائمة، ويُتوقع أن تزداد في الفترة القادمة، وتحقق للاحتلال بعضاً من أهدافه في “جزّ العشب”، وفي الوقت ذاته لا تستدعي من الحزب إطلاق حرب شاملة على الاحتلال، وبالتالي الحفاظ على وتيرة مسيطر عليها من قبل الجانبين.[34]

سادساً: النتائج المتوقعة:

ليس بالضرورة أن تشهد الأيام القادمة تحقق واحد من السيناريوهات الواردة أعلاه، على اعتبار أن الاحتلال لم يتخذ قراره بعد بإيجاد حلّ واحد وسريع لما هو حاصل في الجبهة الشمالية، مما يفسح المجال للحديث عن جملة استنتاجات، أهمها:

1. استمرار الوتيرة القائمة من التصعيد، ارتفاعاً وانخفاضاً، حسب الوضع السائد في غزة.

2. تزايد المطالبات الإسرائيلية بالقضاء على التهديد الذي تمثله الجبهة الشمالية.

3. الحضور المتزايد لتطورات هذه الجبهة على السياق السياسي والإعلامي الإسرائيلي.

4. تكثيف الوساطات الأمريكية والأوروبية بين لبنان والاحتلال لكبح جماح أي تصعيد عسكري.

خاتمة:

تتلاحق الأحداث الحاصلة في جبهة الشمال بين لبنان وفلسطين المحتلة، دون توفر قدرة لدى طرفَي التصعيد على القيام بقراءة دقيقة لما قد تتدحرج إليه الأوضاع، لأكثر من سبب، لعل أهمها تعدد أطرافها المحليين والإقليميين، وربما الدوليين، مما يدفع كل طرف لاستكشاف مصالحه من مآلات هذا التصعيد وفقاً للسيناريوهات الواردة أعلاه.

الاحتلال من جهته، ما زالت تقديراته تتراوح بين الخيارات التي أوردنا آنفاً، مع تقاربها في الكثير من الأحيان من جهة الكلفة والمخاطر، آخذاً بعين الاعتبار مختلف العوامل السياسية والعسكرية: داخلياً وخارجياً، دون أن يحصل على “بوليصة تأمين”، بأن يحقق أهدافه من أي عدوان محتمل على لبنان، وسط خشية من تورط مشابه للورطة التي يبدو عالقاً فيها حالياً في غزة.

وبشكل عام، فإن الكفة ما تزال راجحة لعدم الميل إلى توسيع دائرة الحرب إلى حرب شاملة قد تأخذ بُعداً إقليمياً، وربما تشهد الجبهة مع لبنان درجات من التصعيد المحسوب، في أجواء تدرك أن حالة إنهاك الجيش الإسرائيلي، ومدى قوة وجاهزية حزب الله وحلفائه، وعدم رغبة الأمريكان والقوى الغربية بتوسيع دائرة الصراع، تدفع لضبط أسقف الاشتباك؛ وإن صاحب ذلك بعض التهديدات الإسرائيلية الصاخبة العاجزة عن التنفيذ على الأرض.


[1] أمير بار شالوم، المستوطنون وحدهم على السياج الشمالي يتلقون ضربات حزب الله، موقع زمن إسرائيل، 10/6/2024، انظر: https://www.zman.co.il/494722 (باللغة العبرية)
[2] هذه الأرقام أصدرها معهد ألما المتخصص في دراسات التهديدات الشمالية على دولة الاحتلال، انظر:
Israel-Alma (@Israel_Alma_org), site of X (Twitter), 6/6/2024, https://twitter.com/Israel_Alma_org/status/1798688221213126943
[3] ليئات رون، الشمال يحترق والدولة مشلولة، موقع والا، 4/6/2024، انظر: https://news.walla.co.il/item/3668613 (باللغة العبرية)
[4] موشيه كوهين، غالبية الإسرائيليين مع شن حرب على حزب الله، موقع صحيفة معاريف، 7/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-1105317 (باللغة العبرية)
[5] ليلاخ شوفال، آن الأوان لتوجيه ضربة حاسمة أمام حزب الله، موقع إسرائيل اليوم، 5/6/2024، انظر: https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/15864645 (باللغة العبرية)
[6] يوسي هدار، الدولة تنهار وعلى شفا الخراب، معاريف، 6/6/ 2024، انظر: https://www.maariv.co.il/journalists/Article-1104956 (باللغة العبرية)
[7] رون بن يشاي، هكذا تتخفى مسيرات حزب الله عن الجيش الإسرائيلي، موقع صحيفة يديعوت أحرونوت، 6/6/2024، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/rkxrbmanr#autoplay (باللغة العبرية)
[8] أفيف ليفيا، الذروة ما زالت أمامنا، وحرائق الشمال ليست سوى البداية، زمن إسرائيل، 4/6/2024، انظر: https://www.zman.co.il/493002/ (باللغة العبرية)
[9] يوسي يهوشاع، تبقى الجبهة الشمالية هي الأساس، يديعوت أحرونوت، 2/6/2024، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/yokra13946725 (باللغة العبرية)
[10] الجنرال أوري غوردين قائد المنطقة الشمالية يحذر حزب الله من مواجهته جيشاً متماسكاً وقوياً، معاريف، 6/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-1105188 (باللغة العبرية)
[11] أورغينا مزراحي وآخرين، هكذا تبدو ترسانة حزب الله الصاروخية، موقع معهد أبحاث الأمن القومي، جامعة تل أبيب، 6/6/2024، انظر: https://www.inss.org.il/he/social_media/arsenal/ (باللغة العبرية)
ترجم معدّ هذا التقدير المعطيات الواردة التي نشرها المركز الإسرائيلي، وأرفقها في التقدير في صورة منفصلة.
[12] أفيجدور كهلاني، ليس ضرورياً الانتظار إلى حين انتهاء حرب غزة للشروع في أخرى في لبنان، معاريف، 7/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-1105358 (باللغة العبرية)
[13] آفي شيلون، غارقون في غزة ونتخلى عن الشمال، يديعوت أحرونوت، 6/6/2024، انظر: https://www.ynet.co.il/news/article/yokra13953105 (باللغة العبرية)
[14] شاكيد سديه، صفر ردع.. في الجليل يضع المستوطنون أيديهم على رؤوسهم، معاريف، 11/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/journalists/Article-1106263 (باللغة العبرية)
[15] عاموس مالكا، نحن مطالبون بالبقاء في لبنان فترة طويلة من الزمن، والا، 6/6/2024، انظر: https://news.walla.co.il/item/3669179 (باللغة العبرية)
[16] عكيفا بيغمان، الشمال يحترق والردع يتهاوى، موقع ميدا، 4/6/2024، انظر:
https://mida.org.il/2024/06/04/%d7%94%d7%a7%d7%95%d7%a0%d7%a1%d7%a4%d7%a6%d7%99%d7%94-%d7%a9%d7%9c%d7%9b%d7%9d-%d7%97%d7%96%d7%a8%d7%94-%d7%94%d7%a6%d7%a4%d7%95%d7%9f-%d7%a2%d7%95%d7%9c%d7%94-%d7%91%d7%90%d7%a9-%d7%a6%d7%94%d7%9c/ (باللغة العبرية)
[17] آفي أشكنازي، مؤشر جديد على قرب اندلاع مواجهة مع حزب الله، معاريف، 6/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-1105132 (باللغة العبرية)
[18] إيتي ليندسبيرغ نيبو، نصر مطلق على حزب الله.. معقول؟ زمن إسرائيل، 3/6/2024، انظر: https://www.zman.co.il/492509/ (باللغة العبرية)
[19] Ali Hashem, Israel and Lebanon Won’t End Up at War, site of Foreign Policy magazine, 12/6/2024, https://foreignpolicy.com/2024/06/12/israel-lebanon-hezbollah-war-deterrence
[20] شاي ليفي، الترسانة والتهديد.. ماذا يعني اندلاع حرب مع حزب الله؟ موقع القناة 12، 5 /6/2024، انظر: https://www.mako.co.il/pzm-soldiers/Article-dc1202068b8ef81026.htm (باللغة العبرية)
[21] يوفال أزولاي، السيناريو الذي لا يمكن تصوره مع حزب الله، موقع صحيفة كالكاليست، 8/2/2024، انظر: https://newmedia.calcalist.co.il/magazine-08-02-24/m01.html (باللغة العبرية)
[22] Elie Kirshenbaum, To avoid full-scale Israel-Lebanon war, world must back Israel’s objectives in Gaza, site of Ynetnews, 12/6/2024, https://www.ynetnews.com/article/rkvqjwpra
[23] بن كاسبيت، نتنياهو عالق بين بايدن وابن غفير، معاريف، 8/4/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-1090116 (باللغة العبرية)
[24] Barak Ravid, Scoop: U.S. holds meeting with Israeli and Arab generals amid Gaza war, site of Axios, 12/6/2024, https://www.axios.com/2024/06/12/israel-arab-militaries-meeting-gaza
[25] مناحيم هوروفيتش، 17 عاماً من خديعة حزب الله لنا، القناة 12، 4/6/2024، انظر: https://www.mako.co.il/news-columns/2024_q2/Article-9f4e549a6c2ef81026.htm?sCh=5fdf43ad8df07110&pId=173113834&partner=lobby (باللغة العبرية)
[26] يوسي أحيمائير، “إسرائيل” تتقلص: في الشمال والجنوب لا يرون نهاية وشيكة للحرب، معاريف، 10/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-1105936 (باللغة العبرية)
[27] ليلاخ شوفال، “إسرائيل” تتبنى اغتيال قائد قوة “الناصر” في حزب الله، إسرائيل اليوم، 12/6/2024، انظر: https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/15904031 (باللغة العبرية)
[28] عومر دوستري، التطورات في الشمال تقرّبنا من المواجهة، معاريف، 11/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/journalists/opinions/Article-1106121 (باللغة العبرية)
[29] عيدان أفني، الدولة تفقد الجليل مع استمرار الحرائق، إسرائيل اليوم، 6/6/2024، انظر: https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/15872293 (باللغة العبرية)
[30] يارون بوسيكلا، آن الأوان لجباية ثمن باهظ ليس فقط من حزب الله، ولكن من لبنان الدولة، معاريف، 6/6/2024، انظر: https://www.maariv.co.il/news/military/Article-1105072 (باللغة العبرية)
[31] غيورا آيلاند، الحل في الشمال هو إعلان الحرب على دولة لبنان بأسرها، القناة 12، 6/6/2024، انظر: https://www.mako.co.il/news-columns/2024_q2/Article-04db9cf77aaef81026.htm?sCh=5fdf43ad8df07110&pId=173113834&partner=lobby (باللغة العبرية)
[32] أمير بار شالوم، على الرغم من المسيرات الانتحارية، فما زالت التسوية هي الأساس أمام حزب الله، زمن إسرائيل، 6/6/2024، انظر: https://www.zman.co.il/493534/popup/ (باللغة العبرية)
[33] يوآف ليمور، تبقى الجبهة الشمالية هي الأساس رغم حرب غزة، إسرائيل اليوم، 7/6/2024، انظر: https://www.israelhayom.co.il/news/defense/article/15878245 (باللغة العبرية)
[34] إيتام ألمادون، هكذا تبدو حرب لبنان الثالثة، القناة 12، 6/6/2024، انظر: https://www.mako.co.il/news-n12_magazine/781730bdada5e810/Article-085c2bc0f12ef81026.htm (باللغة العبرية)

للاطلاع على تقدير الموقف بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>>  تقدير موقف: الخيارات الإسرائيلية تجاه العدوان على لبنان … قسم الأبحاث في مركز الزيتونة (20 صفحة، 1.2 MB)


مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 21/6/2024


جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات


المزيد من تقادير الموقف: