مدة القراءة: 14 دقائق

 إعداد: أ. عاطف الجولاني.[*]
(خاص بمركز الزيتونة).

ملخص تنفيذي:

تظهر مواقف الأطراف الإقليمية والدولية ارتباكاً واضحاً في التعامل مع سيناريوهات مستقبل إدارة قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء معركة طوفان الأقصى، وهو ما أسهم في تعطيل فرص وقف إطلاق النار وإنهاء الحرب.

وتناقش ورقة السياسات هذه سبعة تصورات مطروحة لمستقبل الأوضاع في القطاع، وتعرض مواقف الأطراف المؤثِّرة في مجريات معركة طوفان الأقصى منها، وأولويات كل طرف وخياراته المفضلة لمرحلة ما بعد الحرب.



للاطلاع على ورقة السياسات بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة سياسات: آفاق التوافق الفلسطيني الداخلي في مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى … أ. عاطف الجولاني (21 صفحة، 5.3 MB)


ومن خلال مناقشة التداعيات والنتائج المحتملة للتصورات السبعة المطروحة، يتضح أن خيار التوافق الوطني بين السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة على صيغة واقعية ومقبولة لمستقبل إدارة القطاع، هو الخيار الأفضل فلسطينياً والأكثر انسجاماً مع المصالح الوطنية الفلسطينية.

كما أنه خيار واقعي لا يتعارض مع أولويات الأطراف العربية والدولية، ويخدم حالة الهدوء والاستقرار في المنطقة، ويَحُوْل دون توسيع مساحة الصراع، لكنه خيار غير مرغوب إسرائيلياً بتأثير الأولويات الإسرائيلية والمواقف المتشددة لليمين الإسرائيلي بخصوص مستقبل إدارة قطاع غزة.

أولاً: السيناريوهات المطروحة لمستقبل إدارة القطاع بعد الحرب:

طُرحت خلال الشهور الماضية العديد من الصيغ المقترحة لمستقبل قطاع غزة في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب. ومن أهم السيناريوهات المحتملة لمستقبل إدارة القطاع:

السيناريو الأول: إدارة فصائل المقاومة لقطاع غزة:

ووفق هذا السيناريو تُواصل حركات المقاومة الفلسطينية إدارة شؤون قطاع غزة سياسياً وإدارياً وخدمياً، كما كان عليه الوضع قبل هجوم 7/10/2023. ومن أهم النتائج التي يُرجّج أن تترتب على هذا السيناريو على الصعيد الفلسطيني:

1. المحافظة على خيار المقاومة وسلاحها ودورها السياسي والمجتمعي في قطاع غزة.

2. إدامة حالة الانقسام السياسي والجغرافي في الساحة الفلسطينية بتداعياته التي جرى توظيفها واستغلالها إسرائيلياً لإضعاف الفلسطينيين واستنزافهم بإدارة خلافاتهم وتناقضاتهم الداخلية.

3. فتح المجال أمام استمرار التدخلات الإسرائيلية والإقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني وممارسة مزيد من الضغوط على السلطة الفلسطينية.

4. التأثير سلباً في فرص تجاوز التداعيات الإنسانية للحرب وبدء مشاريع إعادة إعمار القطاع، وترجيح ممارسة ابتزاز إقليمي ودولي للفلسطينيين مقابل ذلك.

5. إحكام الحصار المفروض على قطاع غزة منذ سنة 2007.

السيناريو الثاني: التوصل إلى توافق وطني وشراكة بين السلطة وفصائل المقاومة على إدارة شؤون القطاع:

ويقوم هذا السيناريو على توصّل قيادة فتح والسلطة لاتفاق مع فصائل المقاومة الفلسطينية، وفي مقدمتها حركة حماس، على صيغة مشتركة لإدارة شؤون القطاع.

ومن أهم النتائج التي يُرجّج أن تترتب على هذا السيناريو على الصعيد الفلسطيني:

1. تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي في الساحة الفلسطينية ووقف تداعياته السلبية، وتوحيد الجبهة الداخلية، وبناء شراكة وطنية في مواجهة التحديات.

2. تقليص حجم التدخلات الإسرائيلية والإقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني، وقطع الطريق على العديد من الصيغ المشبوهة والخطرة إسرائيلياً وإقليمياً ودولياً، وتعزيز قوة الموقف الفلسطيني في مواجهة الضغوط الخارجية.

3. توفير فرصة جيدة لتجاوز التداعيات الإنسانية للحرب، ولتنفيذ مشاريع إعادة إعمار القطاع، وتقليل حجم الابتزاز السياسي الإقليمي والدولي مقابل ذلك.

4. توفير فرصة جيدة لإنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة.

5. المحافظة على دور المقاومة وسلاحها كخيار ضاغط على الاحتلال وكضرورة وطنية للتحرير وللدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

السيناريو الثالث: انفراد السلطة الفلسطينية بإدارة شؤون القطاع، وإقصاء فصائل المقاومة:

ويقوم هذا السيناريو على استنساخ نموذج الضفة الغربية في قطاع غزة، بحيث تتولى السلطة إدارة الشؤون المحلية والخدمية في القطاع في سياق عملية التنسيق الأمني مع سلطات الاحتلال. ومن أبرز النتائج التي يُرجح أن تترتب على تحقّق هذا السيناريو:

1. تكريس واقع الانقسام السياسي في الساحة الفلسطينية، ونقل حالة الاشتباك من اشتباك فلسطيني إسرائيلي كما هو الحال في معركة طوفان الأقصى، إلى اشتباك فلسطيني فلسطيني داخلي يستنزف الكلّ الفلسطيني ويوفّر للكيان الصهيوني احتلالاً مريحاً بكلف محدودة.

2. تعزيز التدخلات الإسرائيلية والإقليمية والدولية في الشأن الفلسطيني، وممارسة ضغوط مشددة على السلطة الفلسطينية عبر برامج التنسيق الأمني.

3. تجاوز التداعيات الإنسانية للحرب وبدء مشاريع إعادة إعمار قطاع غزة، ولكن مقابل ضغوط وشروط سياسية وأمنية مشددة.

4. تزايد احتمالات إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة.

5. استهداف المقاومة في قطاع غزة، والسعي لنزع سلاحها وتجريدها من عناصر قوتها، وإنهاء دورها السياسي والمجتمعي.

السيناريو الرابع: إدارة مشتركة للقطاع بين السلطة الفلسطينية وقوات عربية وإقليمية:

ويقوم هذا السيناريو على توزيع الأدوار، بحيث تتولى السلطة الفلسطينية إدارة الشؤون الإدارية والخدمية، فيما يجري تشكيل إدارة أمنية مشتركة بين السلطة وأطراف عربية وإقليمية، في سياق عملية تنسيق أمني مع سلطات الاحتلال الإسرائيلي وبإشراف الأجهزة الأمنية الأمريكية ورعايتها المباشرة.

ومن أهم النتائج التي يُرجّج أن تترتب على نجاح هذا السيناريو على الصعيد الفلسطيني:

1. قطع الطريق على جهود المصالحة والشراكة الوطنية في إدارة شؤون القطاع، وتعزيز حالة الانقسام السياسي الفلسطيني.

2. إخضاع القرار الفلسطيني بشكل كامل ومباشر للتدخلات الإسرائيلية والإقليمية والأمريكية.

3. إخضاع الشؤون الأمنية في الساحة الفلسطينية لإدارة وإشراف سلطات الاحتلال الإسرائيلية وأجهزة الأمن الأمريكية والإقليمية.

4. استهداف المقاومة وملاحقتها ونزع سلاحها وإنهاء دورها السياسي والمجتمعي.

5. تهديد حالة الاستقرار في قطاع غزة بسبب رفض فصائل المقاومة وجود قوات غير فلسطينية في القطاع، وتهديدها بالتعامل مع أي قوات إقليمية ودولية كقوات احتلال.

6. معالجة التداعيات الإنسانية للحرب وبدء مشاريع إعادة إعمار القطاع.

7. إنهاء الحصار المفروض على القطاع لانتفاء مبررات استمراره.

السيناريو الخامس: إدارة إقليمية ودولية للقطاع دون مشاركة السلطة وفصائل المقاومة:

وقد طُرح هذا السيناريو من قِبَل الجانب الأمريكي وبعض الأطراف الأوروبية خلال الأسابيع الأولى للحرب، ويقوم على تولي أطراف إقليمية ودولية إدارة شؤون قطاع غزة دون مشاركة السلطة الفلسطينية وفصائل المقاومة، ولا يستبعد هذا السيناريو إنشاء إدارة محلية في القطاع من خارج الفصائل تتولى إدارة بعض الشؤون المدنية، مع بقاء السيطرة الأمنية بيد الإدارة الإقليمية والدولية.

ومن أهم النتائج التي يُرجّج أن تترتب على نجاح هذا السيناريو على الصعيد الفلسطيني:

1. إدامة حالة الانقسام السياسي والجغرافي الفلسطيني، وفصل القطاع بصورة كاملة عن الضفة الغربية.

2. إخضاع الشؤون الأمنية في الساحة الفلسطينية لإدارة مباشرة من سلطات الاحتلال وأجهزة الأمن الأمريكية والإقليمية.

3. استهداف المقاومة وملاحقتها ونزع سلاحها وإنهاء دورها السياسي والمجتمعي.

4. تفجير مواجهات مسلَّحة بين المقاومة الفلسطينية وأبناء الشعب الفلسطيني وبين أجهزة أمن الإدارة الإقليمية والدولية التي سيتم التعامل معها كقوات احتلال.

5. معالجة التداعيات الإنسانية للحرب وبدء مشاريع إعادة إعمار القطاع.

6. إنهاء الحصار المفروض على القطاع، حيث لن تبقى مبررات لاستمراره.

السيناريو السادس: فرض إدارة محلية في قطاع غزة تتبع الاحتلال:

وفق هذا السيناريو تعمل سلطات الاحتلال الإسرائيلية على بناء سلطة محلية بديلة من واجهات وشخصيات عشائرية ومجتمعية مرتبطة بالاحتلال أو توافق على العمل تحت إدارته وإشرافه، وتمارس دوراً مماثلاً لدور روابط القرى التي أنشأها الكيان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية المحتلة سنة 1978 كبديل عن منظمة التحرير الفلسطينية، وباءت التجربة بالفشل وانتهت سنة 1982، كما تمارس دوراً مماثلاً كذلك لدور مليشيا جيش لبنان الجنوبي العميلة التي أنشأها الكيان الصهيوني في لبنان سنة 1976 بزعامة سعد حداد وانتهت سنة 2000 بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من الأراضي اللبنانية.

ومن أهم النتائج التي يُرجّج أن تترتب على نجاح هذا السيناريو على الصعيد الفلسطيني:

1. تكريس الانفصال الجغرافي بين قطاع غزة بإدارته المحلية الجديدة، وبين الضفة الغربية الخاضعة لإدارة السلطة الفلسطينية، وتكريس واقع جديد بسلطتين موازيتين.

2. إنشاء إدارة عميلة تابعة للاحتلال وخاضعة لمصالحه وأولوياته، تعفيه من أعباء إدارة قطاع غزة كقوة احتلال.

3. سيطرة سلطات الاحتلال بشكل مطلق على الأوضاع الأمنية في القطاع.

4. إخضاع القرار الفلسطيني للتدخلات الخارجية، وإنهاء أي شكل من أشكال السيادة واستقلالية القرار.

5. استهداف المقاومة من قِبَل مليشيات الإدارة المحلية وقوات الاحتلال، وملاحقتها، والسعي للقضاء عليها، ونزع سلاحها، وإنهاء دورها السياسي والمجتمعي.

6. تهيئة الظروف لتفجير حرب أهلية في القطاع بين المقاومة وشرفاء الشعب الفلسطيني من جهة، وبين الإدارة المحلية التي ستُصنَّف فلسطينياً كسلطة عميلة للاحتلال.

7. إنهاء التداعيات الإنسانية للحرب، والبدء بعملية إعادة الإعمار.

8. إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة لانتهاء مبرراته.

السيناريو السابع: إعادة احتلال قطاع غزة عسكرياً:

وفق هذا السيناريو تعيد السلطات الإسرائيلية فرض احتلالها وسيطرتها العسكرية والسياسية والأمنية الكاملة على قطاع غزة، وتتولى إدارة شؤون السكان كسلطة احتلال مباشر. ومن أهم النتائج التي يُرجّج أن تترتب على نجاح هذا السيناريو على الصعيد الفلسطيني:

1. انفصال سياسي وجغرافي كامل بين الضفة الغربية وبين قطاع غزة الخاضع لاحتلال إسرائيلي مباشر، وإنهاء أي دور للسلطة الفلسطينية في القطاع.

2. خضوع قطاع غزة بالكامل لقوات الاحتلال الإسرائيلي، وعودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل انسحاب القوات الإسرائيلية في 15/8/2005.

3. استهداف المقاومة وملاحقتها ومحاولة القضاء عليها ونزع سلاحها وتجريدها من عناصر قوتها.

4. تحويل قطاع غزة إلى ساحة اشتباك ساخنة بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال.

5. إنهاء التداعيات الإنسانية للحرب، والبدء بعملية إعادة الإعمار.

6. إنهاء الحصار المفروض على قطاع غزة لانتفاء مبررات استمراره.

ثانياً: أولويات الأطراف وخياراتها بعد الحرب:

تتباين أولويات أطراف الصراع والأطراف المؤثِّرة في مسار معركة طوفان الأقصى إزاء مستقبل إدارة الأوضاع في قطاع غزة بعد الحرب تبعاً لاختلاف أهدافها وتضارب مصالحها. وفيما يلي عرض لأولويات تلك الأطراف وخياراتها المفضلة:
حماس وفصائل المقاومة:

تتوافق حركة حماس وبقية فصائل المقاومة الفلسطينية على مجموعة من الأولويات فيما يتعلّق بمستقبل القطاع بعد الحرب، ومن أهمها:

1. إنهاء الاحتلال والوجود الإسرائيلي في قطاع غزة بشكل كامل.

2. الاحتفاظ بسلاح المقاومة ودورها في حماية مصالح الشعب الفلسطيني وفي سعيه للتحرير ومواجهة الاحتلال، والحيلولة دون فرض ترتيبات في القطاع تهدد وجود المقاومة وعملها.

3. الاحتفاظ بدور سياسي واجتماعي فاعل لفصائل المقاومة في قطاع غزة، وإفشال خطط إقصائها من المشهد وإضعاف حضورها السياسي والمجتمعي.

4. تعزيز استقلالية القرار الوطني، وتقليص حجم التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني.

5. إعادة إعمار قطاع غزة، وتجاوز التداعيات الإنسانية للعدوان الصهيوني.

6. كسر الحصار المفروض على القطاع منذ سنة 2007.

7. تجاوز حالة الانقسام الفلسطيني والتوصل لتوافقات وشراكات وطنية لإدارة الشأن الفلسطيني.

وفي ضوء هذه الأولويات، فإن الخيارات المفضلة لحركة حماس وفصائل المقاومة تتراوح بين خيار تحقيق توافق وطني فلسطيني فيما يخصّ مستقبل إدارة شؤون القطاع، بعيداً عن الوصاية والإملاءات الخارجية، وبين خيار عودة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل معركة طوفان الأقصى في حال فشلت جهود التوافق والشراكة وواصلت السلطة فرض شروط تعجيزية تؤثِّر في مستقبل المقاومة ودورها في مواجهة الاحتلال والدفاع عن مصالح الشعب الفلسطيني.

“إسرائيل”:

اتَّهمت الإدارة الأمريكية بنيامين نتنياهو Benjamin Netanyahu وائتلافه الحكومي المتطرّف بعدم امتلاك خطة واقعية متكاملة أو تصور واضح لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب. وعلى الرغم من الخلافات والانقسامات في الموقف الإسرائيلي، يمكن الوقوف على مجموعة من الأولويات الإسرائيلية المشتركة فيما يتعلق بمستقبل القطاع، ومن أبرزها:

1. نزع سلاح المقاومة الفلسطينية والقضاء على قدراتها العسكرية وإضعافها وتجريدها من سلاحها وعناصر قوتها، بما يضمن تحجيم خطرها أو إنهائه إن أمكن.

2. إقصاء حركة حماس عن صدارة المشهد السياسي والإداري والخدمي في القطاع.

3. توفير ضمانات لعدم تكرار هجوم 7/10/2023، وطمأنة مستوطني غلاف قطاع غزة على أمنهم بعد الحرب.

4. إيجاد ترتيبات مناسِبة لإدارة القطاع تُحقِّق المصالح الإسرائيلية وتتيح لها التدخل أمنياً فيه على غرار ما يحصل في الضفة الغربية.

5. إدامة الانقسام والاستنزاف الفلسطيني، والحيلولة دون التوصل لتفاهمات وشراكات فلسطينية في الضفة والقطاع.

وعلى الرغم من التوافق على هذه الأولويات، تتباين خيارات الأطراف الإسرائيلية إزاء مستقبل قطاع غزة بعد الحرب. فقادة اليمين المتطرف في الائتلاف الحكومي، وعلى رأسهم بتسلئيل سموتريتش Bezalel Smotrich وزير المالية زعيم حزب “الصهيونية الدينية Religious Zionism”، وكذلك إيتمار بن غفير Itamar Ben-Gvir وزير الأمن القومي رئيس حزب “القوة اليهودية (عوتسما يهوديت Otzma Yehudit)”، يضغطون لصالح إعادة احتلال قطاع غزة عسكرياً، ويرفضون أي دور للسلطة الفلسطينية في إدارة شؤون القطاع بعد انتهاء الحرب، سواء بصورة منفردة أم عبر شراكة مع حركة حماس وفصائل المقاومة.

ويتفق نتنياهو مع موقف اليمين المتطرف في رفض دور لحماس والسلطة في إدارة شؤون القطاع الحرب، ويفضّل خيار إنشاء إدارة محلية لشؤون قطاع غزة تنسّق مع السلطات الإسرائيلية، مع وجود عسكري مؤقت أو طويل الأمد للجيش الإسرائيلي، وإقامة منطقة عازلة داخل حدود القطاع.

في المقابل، فإن عدداً من معارضي نتنياهو، وأبرزهم زعيم حزب “معسكر الدولة National Unity” بيني جانتس Benny Gantz، والقيادي في الحزب جادي أيزنكوت Gadi Eisenkot، وكذلك زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد Yair Lapid، يرفضون توريط الكيان الصهيوني باحتلال عسكري دائم للقطاع، ويؤيدون الموقف الأمريكي بإعطاء دور للسلطة الفلسطينية في إدارة القطاع بعد الحرب ضمن ترتيبات أمنية مشتركة مع قوات عربية وإقليمية وبرعاية وإشراف أمريكي.

الولايات المتحدة الأمريكية:

تأثَر الموقف الأمريكي من معركة طوفان الأقصى بمجموعة محددات استراتيجية تاريخية حكمت سياق العلاقة الأمريكية الإسرائيلية، كما تأثَّر بتداعيات الحرب على المصالح الأمريكية في المنطقة، وعلى مصالح الإدارة الديموقراطية وفرص الرئيس جو بايدن Joe Biden والحزب الديموقراطي في الفوز بالانتخابات القادمة في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر 2024.

وفي ظلّ التباينات المحدودة في موقف الحزبَين الديموقراطي والجمهوري من الحرب في قطاع غزة، تبرز مجموعة من الأولويات المشتركة التي تؤثر في الخيارات والتفضيلات الأمريكية لمستقبل الأوضاع في قطاع غزة بعد الحرب، ومن أهمها:

1. الحفاظ على المصالح الأمريكية الحيوية في المنطقة، وقطع الطريق على تدخلات المنافسين الدوليين لمزاحمة النفوذ الأمريكي في الملفات الرئيسية وفي مقدمتها الصراع العربي الإسرائيلي.

2. استعادة الاستقرار وتهدئة بؤر التوتر في المنطقة والحيلولة دون توسيع مساحة الصراع.

3. خفض انخراط الولايات المتحدة عسكرياً في أزمات المنطقة، وإنهاء تهديد الملاحة في البحر الأحمر.

4. ترميم قوة الردع الإسرائيلية، وتحقيق أمن مستوطني غلاف غزة، ومنع تكرار هجوم 7/10/2023.

5. إضعاف حركة حماس ومحاصرتها، والحيلولة دون خروج المقاومة الفلسطينية منتصرة من المعركة.

6. احتواء نفوذ إيران في المنطقة، وحرمانها من جني مكاسب مهمة من معركة طوفان الأقصى بعد انتهاء الحرب.

وفي ظلّ هذه الأولويات المتأثرة بالمحددات الاستراتيجية للعلاقة الأمريكية الإسرائيلية وبضغط العامل الانتخابي، وفي ضوء الفشل الإسرائيلي في حسم معركة طوفان الأقصى عسكرياً بعد أكثر من ثمانية شهور من القتال، ضغطت الإدارة الأمريكية للتوصل إلى صفقة تتيح وقف الحرب والذهاب لترتيبات مناسبة لمستقبل قطاع غزة، وتشاورت مع شركائها في المنطقة لبلورة صيغة لمستقبل إدارة الأوضاع في قطاع غزة تقوم على استبعاد حركة حماس وفصائل المقاومة من حكم قطاع غزة، لصالح إنشاء إدارة مشتركة بين السلطة الفلسطينية وقوات عربية وإقليمية.

السلطة الفلسطينية:

نأت السلطة الفلسطينية بنفسها عن التفاعل مع معركة طوفان الأقصى بصورة نشطة ومؤثرة، وظهرت كطرف محايد على الرغم من بشاعة المجازر الإسرائيلية في قطاع غزة والاقتحامات والجرائم المتواصلة في الضفة الغربية. وعلى الرغم من ارتباك السلطة وترددها وغموض موقفها، فإن الأمر الذي بدا واضحاً في أدائها منذ بداية المعركة يتعلق بخياراتها وتفضيلاتها لمستقبل إدارة قطاع غزة بعد الحرب، حيث تمسّكت بضرورة بسط سيطرتها على قطاع غزة، واستعادة دورها الذي فقدته سنة 2007. ومنذ الأسابيع الأولى للمعركة، عبّرت السلطة خلال لقاءاتها مع المسؤولين الأمريكيين عن استعدادها لتولي إدارة القطاع في أي ترتيبات قادمة، وراهنت على أنها ستظل الخيار العملي المتاح الذي ستُضطر مختلف الأطراف للتعامل معه في نهاية المطاف.

ومن أبرز الأولويات التي تحكم موقف السلطة من مستقبل قطاع غزة بعد الحرب:

1. استعادة السيطرة على إدارة قطاع غزة والعودة إلى وضع ما قبل سنة 2007.

2. تثبيت حضور السلطة في المعادلة الفلسطينية والإقليمية، وإفشال محاولات اليمين الصهيوني المتطرف لشطب دورها السياسي ولاستبعادها من الترتيبات المتعلقة بمستقبل قطاع غزة.

3. الحيلولة دون إعادة احتلال القطاع عسكرياً.

4. تحسين صورتها لدى سكان قطاع غزة، وتجاوز الاتِّهامات الموجَّهة لها بالتخلي عن تحمّل مسؤولياتها في مواجهة العدوان الصهيوني على القطاع.

وبتأثير هذه الأولويات يبدو أن الخيار المفضل للسلطة الفلسطينية هو فرض سيطرتها ورؤيتها السياسية على قطاع غزة بصورة منفردة وبدعم وإسناد رسمي عربي ودولي. وفي حال فشل هذا الخيار نتيجة صمود المقاومة ونجاحها في فرض نفسها كأمر واقع، يُرجّح أن تراوح السلطة بين خيار التوافق الوطني مع بقية القوى الفلسطينية على مستقبل إدارة القطاع، وبين خيار التخلي عن قطاع غزة وتركه يواجه منفرداً الضغوط السياسية الإقليمية والدولية وتحديات إعادة الإعمار ومعالجة التداعيات الإنسانية للحرب.

إيران وحلفاؤها في لبنان واليمن والعراق:

استطاعت إيران والقوى المتحالفة معها في المنطقة فرض نفسها كلاعب رئيسي وطرف أساسي في معركة طوفان الأقصى. وعلى الرغم من تردّد حزب الله اللبناني وجماعة أنصار الله اليمنية والفصائل العراقية، في المشاركة الكاملة والانخراط القوي في معركة طوفان الأقصى في الأسابيع الأولى، واكتفائهم بدور جبهات الإسناد للمقاومة الفلسطينية، فإن الأمر تغيّر بصورة ملحوظة في وقت لاحق، حيث رفعت جماعة أنصار الله اليمنية من سقف مشاركتها في المعركة بصورة قوية، وأغلَقَت الملاحة في البحر الأحمر في وجه السفن الإسرائيلية والسفن المتجهة إلى الكيان الصهيوني، الأمر الذي أحدث إرباكاً في حركة الملاحة البحرية، وأجبر الجانب الإسرائيلي على البحث عند بدائل تضمن توفير حاجاته من دول العالم. كما أن مشاركة حزب الله وانخراطه في المعركة تطوّر بشكل كبير هو الآخر في الأسابيع الأخيرة، حيث تحولت جبهة الشمال إلى جبهة مشاركة قوية في مواجهة الاحتلال. وبموازاة ذلك تصاعدت عمليات المقاومة العراقية بصورة كبيرة في الأسابيع الأخيرة.

ومن أبرز أولويات إيران وحلفائها في إدارة الموقف من مستقبل قطاع غزة بعد معركة طوفان الأقصى:

1. ضمان خروج المقاومة الفلسطينية منتصرة من المعركة، وحرمان الاحتلال من صورة انتصار في المواجهة.

2. تعزيز حضور المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة في مرحلة ما بعد الحرب، والحفاظ على سلاحها وقدراتها العسكرية وخيارها المقاوم، والحيلولة دون إقصائها أو إضعافها أو نزع سلاحها.

3. ترسيخ وتطوير استراتيجية وحدة الجبهات بين حركات المقاومة على المستوى الإقليمي.

4. ردع الاحتلال عن التفكير في خوض مغامرات عسكرية تستهدف إيران أو حزب الله بعد انتهاء معركة طوفان الأقصى.

5. معالجة التداعيات الإنسانية للعدوان، وإعادة إعمار قطاع غزة.

وفي ضوء هذه الأولويات، تدعم إيران وحلفاؤها في محور المقاومة أي خيارات تتبناها المقاومة الفلسطينية بخصوص مستقبل إدارة الأوضاع في قطاع غزة، والتي تراوح بين تحقيق توافق وطني مع السلطة الفلسطينية وبين عودة الأوضاع في قطاع غزة إلى ما كانت عليه قبل 7/10/2023.

الأطراف العربية:

فَشِلَت الحكومات العربية في تنفيذ قرارات القمة العربية والإسلامية المشتركة التي انعقدت في الرياض في 11/11/2023، سواء تعلّق الأمر بوقف العدوان العسكري على قطاع غزة أم بتوفير المساعدات الإنسانية والإغاثية للسكان. ولم تُسفر الجهود الديبلوماسية للجنة المتابعة التي انبثقت عن القمة عن نتائج عملية تسهم في وقف العدوان الإسرائيلي على القطاع.

وعلى الرغم من التباينات في موقف الأطراف العربية من مستقبل الأوضاع في قطاع غزة، تبرز الأولويات التالية في الموقف العربي الرسمي:

1. توفير حالة من الهدوء المستدام في الضفة الغربية وقطاع غزة، بما يسهم في تعزيز حالة الاستقرار في المنطقة.

2. قطع الطريق على احتمالات حصول حالات تهجير قسري للفلسطينيين من الضفة أو القطاع، في ظلّ تبنّي اليمين الصهيوني المتطرّف لمشروع الترانسفير.

3. إنهاء الوجود العسكري لقوات الاحتلال الإسرائيلية في قطاع غزة والحيلولة دون إعادة احتلاله.

4. الحفاظ على مكانة السلطة الفلسطينية وتعزيز شرعيتها ومنع انهيارها.

5. إنهاء المعاناة والأزمة الإنسانية في قطاع غزة، ومعالجة ذيول الحرب والإسهام في إعادة إعمار القطاع.

6. تجنّب الاشتباك مع حركات المقاومة الفلسطينية أو الظهور كأطراف تشارك في عملية إنهاء وجود المقاومة ومصادرة سلاحها.

وفي ضوء هذه الأولويات، تدعم الأطراف العربية خيار تولّي السلطة الفلسطينية إدارة الأوضاع في قطاع غزة وبسط سيطرتها عليه، وفي حال تعذّر ذلك بصورة منفردة يُرجّح أن لا تعارض خيار التوافق بين السلطة الفلسطينية وحركات المقاومة الفلسطينية على صيغة مناسبة لإدارة القطاع تكون فيها السلطة في صدارة المشهد السياسي، ولكن في حال استمر رفض الجانب الإسرائيلي لخيارَي التوافق الفلسطيني وسيطرة السلطة منفردة على القطاع، يُرجّح أن تستجيب بعض الأطراف العربية للرغبة الأمريكية بالقيام بدور أمني فاعل في قطاع غزة بعد الحرب بالتنسيق مع السلطة. ومن غير المرجّح حتى اللحظة أن توافق الأطراف العربية على خيار إدارة إقليمية ودولية للقطاع بمعزل عن السلطة الفلسطينية والفصائل الفلسطينية.

روسيا والصين:

اتَّخذت روسيا والصين مواقف معارضة للتوجهات الأمريكية والغربية في التعامل مع معركة طوفان الأقصى، وتحركَّتا في مجلس الأمن لوقف إطلاق النار في قطاع غزة. وفيما يتعلق بمستقبل قطاع غزة بعد الحرب، فإن أبرز الأولويات الروسية والصينية بهذا الخصوص:

1. استثمار الدولتين لمواقفها السياسية في أثناء الحرب من أجل تعزيز نفوذهما وحضورهما السياسي والاقتصادي ومنافسة النفوذ الأمريكي في الساحة الفلسطينية والمنطقة في مرحلة ما بعد الحرب.

2. تعزيز العلاقة مع مختلف القوى الفلسطينية، ولعب دور مؤثر في الوساطة بين الأطراف الفلسطينية في ملف المصالحة وإنهاء الانقسام.

3. مواصلة استنزاف وإشغال الولايات المتحدة والدول الأوروبية في أزمات متعددة تصرف انتباههم عن إدارة ملف الحرب الروسية الأوكرانية.

وفي ضوء المواقف المعلنة للطرفين خلال معركة طوفان الأقصى، يُرجَّح أن تدعم الدولتان خيار التوافق الفلسطيني على صيغة شراكة وطنية على إدارة القطاع بعد الحرب، في سياق مصالحة فلسطينية تنهي حالة الانقسام.

ثالثاً: آفاق التوافق الوطني الفلسطيني على إدارة قطاع غزة بعد الحرب:

في ضوء البدائل المطروحة لمستقبل قطاع غزة بعد الحرب، يتَّضح أن خيار التوافق الوطني على صيغة مقبولة لإدارته، يشكّل الخيار الأفضل فلسطينياً والذي يحقق أكبر قدر من المصالح الوطنية ويقطع الطريق على سيناريوهات خطرة ومشبوهة، وذلك للاعتبارات التالية:

1. خيار التوافق الوطني على إدارة القطاع يزيل معوّقاً مهماً يعترض طريق إنهاء الحرب، نتيجة ارتباك المواقف الدولية والإقليمية في التعامل مع مستقبل قطاع غزة بعد انتهاء المواجهة.

2. يحدّ خيار التوافق الوطني من التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني، ويعزز استقلالية القرار الوطني، ويقطع الطريق على فرض صيغ إقليمية ودولية تستهدف المصالح الوطنية.

3. يتيح خيار التوافق الوطني الفرصة لاستثمار الظرف الراهن والمعطيات القائمة من أجل توحيد الصف الفلسطيني، وبناء الشراكة الوطنية، وإنهاء الانقسام المتواصل منذ 17 عاماً، والذي ألحق الضرر بالقضية الفلسطينية.

4. تسهيل عملية إعادة الإعمار ومعالجة التداعيات الإنسانية للحرب بعيداً عن الابتزاز السياسي وفرض الشروط والإملاءات على الشعب الفلسطيني.

5. المحافظة على دور أطراف المعادلة الفلسطينية، ومنع تهميشها لصالح أطراف خارجية.

6. قطع الطريق على مؤامرات اليمين الصهيوني بتصفية القضية الفلسطينية، وتنفيذ مشاريع التهجير القسري وإعادة احتلال القطاع.

معوّقات التوافق الوطني:

يتضح من خيارات الأطراف المؤثرة في مسار الحرب، أنّ المعوقات التي تعترض طريق تحقيق توافق وطني فلسطيني على مستقبل إدارة الأوضاع في قطاع غزة تتمثل فيما يلي:

1. تمسّك بعض العناصر المتشددة في السلطة الفلسطينية، والتي ترتبط بعلاقات قوية مع الاحتلال من خلال عملية التنسيق الأمني، بخيار إقصاء حماس وفرض هيمنة السلطة على قطاع غزة. حيث عَمِلَت تلك العناصر والقيادات طوال الفترة الماضية على تعطيل جهود المصالحة وإنهاء الانقسام وتحقيق توافق وطني بين حركة فتح والسلطة وبين فصائل المقاومة، وقد راهنت تلك العناصر بعد اندلاع الحرب، وما تزال، على خروج المقاومة مهزومة وضعيفة من معركة طوفان الأقصى، وهو ما يتيح بسط هيمنة السلطة على قطاع غزة وإدارته بصورة منفردة، ونزع سلاح المقاومة وإنهاء وجودها.

2. المعارضة الإسرائيلية القوية لخيار التوافق الفلسطيني، والرغبة بإدامة حالة الانقسام في الساحة الفلسطينية من أجل استنزاف الفلسطينيين وإضعافهم، وتحميل الانقسام الفلسطيني مسؤولية إفشال الجهود السياسية. يضاف إلى ذلك موقف اليمين الإسرائيلي المتطرّف الذي يرفض أي دور لحماس أو السلطة في إدارة قطاع غزة.

3. سعي الجانب الأمريكي لإقصاء حركة حماس من المشهد السياسي والإداري في قطاع غزة، وتفضيله شراكة بين السلطة الفلسطينية وأطراف عربية وإقليمية في إدارة قطاع غزة، بمعزل عن حركة حماس وفصائل المقاومة.

4. موقف بعض الأطراف العربية التي تسعى لتحجيم التيار الإسلامي في المنطقة وعزله ومحاصرته، ويشمل ذلك حركتَي حماس والجهاد الإسلامي.

مقترحات لإنجاح التوافق الوطني:

لا شكّ أن تعزيز فرص الوصول إلى توافق وطني فلسطيني على مستقبل إدارة شؤون قطاع غزة يعتمد بالدرجة الأولى على مدى قناعة طرفَي المعادلة الفلسطينية بأهمية تحقيق التوافق، وعلى مدى استعدادهما لتقديم التنازلات المطلوبة من أجل إنجاز ذلك، كما يعتمد في الوقت ذاته على مدى قدرة الطرفين على تذليل العقبات الخارجية التي تواجه خيار التوافق الفلسطيني.

ومن أجل تجاوز المعوقات التي تعترض طريق إنجاز التوافق الوطني، نقترح ما يلي:

1. ضرورة خروج السلطة من موقع الحياد والترقب والانتظار في إدارة الموقف من معركة طوفان الأقصى، والمبادرة إلى تفعيل الإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير الفلسطينية، والدعوة لحوار وطني من أجل مناقشة سُبُل التوافق على صيغة مقبولة فلسطينياً لمستقبل إدارة القطاع تخدم المصالح الوطنية، وتقطع الطريق على المخططات الإسرائيلية وعلى محاولات فرض الوصاية على الشعب الفلسطيني.

وحركة فتح والسلطة مطالبَتان بإدراك أنّ الرِّهان على سقوط المقاومة وإنهاء وجودها وإقصائها من المشهد الفلسطيني في قطاع غزة، رهان خاسر وغير واقعي، وكذلك إدراك أن الكيان الصهيوني يستهدف جميع مكونات الشعب الفلسطيني ولا يستثني أحداً، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، وبأن الخاسر من إفشال خيار التوافق الوطني هو القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وجميع القوى الفلسطينية.

2. ضرورة أن تُبدي فصائل المقاومة الفلسطينية، التي قدّمت أداء ميدانياً وسياسياً وإعلامياً متقدّماً في معركة طوفان الأقصى، المرونة السياسية الكافية لتسهيل إنجاز التوافق الوطني، وقطع الطريق على فرض صيغ خارجية مشبوهة لإدارة قطاع غزة بعد الحرب.

3. أهمية قيام الدول العربية التي تتمتع بعلاقات جيدة مع أطراف المعادلة الفلسطينية، بدور فاعل ومؤثر لتشجيعها على إنجاز التوافق الوطني كضرورة فلسطينية وعربية. حيث إن هذا الخيار يُعفي الدول العربية من التورط أمنياً في إدارة قطاع غزة، كما أنه يقطع الطريق على خطط اليمين الصهيوني بتنفيذ مشاريعه المعلنة لتهجير الفلسطينيين خارج وطنهم، بالإضافة إلى أنه خيار ينسجم مع الرغبة العربية بتحقيق الاستقرار الإقليمي ووقف حالة التصعيد في المنطقة، إضافة إلى أنه يقطع الطريق على التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني والعربي.

4. ضرورة أن تواصل الصين وروسيا جهودهما ودورهما المهم والمأمول في تشجيع جهود المصالحة الفلسطينية وإنهاء الانقسام، بالتعاون مع الأطراف العربية المعنية بإنجاز المصالحة وتذليل العقبات التي تعترض طريقها. ولا شكّ أن هذا الجهد الروسي والصيني يحظى بترحيب فلسطيني وعربي شعبي قوي، ويعزز العلاقات الروسية والصينية مع الشعوب العربية.

5. من الضروري أن تُدرك الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية أنّ القضاء على حركات المقاومة الفلسطينية وإقصاءها من المشهد السياسي والإداري والمجتمعي في قطاع غزة، هدف غير واقعي وغير قابل للتنفيذ ويُسهم في إطالة أمد الصراع، وهو ما أثبتته تجربة ما يزيد على ثمانية أشهر من استهداف المقاومة في معركة طوفان الأقصى. الأمر الذي يستدعي من الجانب الأمريكي والأطراف الأوروبية التعامل بواقعية أكبر مع خيارات ما بعد انتهاء الحرب، وأن يتخلوا عن تحفظاتهم على خيار التوافق الوطني الفلسطيني في إدارة شؤون القطاع، حيث إنه خيار يُسهم في التهدئة وإعادة الاستقرار، ويقلّص من احتمالات توسيع مساحة الصراع الإقليمي.


[*] إعلامي وكاتب أردني من أصل فلسطيني. رئيس تحرير صحيفة السبيل الأردنية. خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية الفلسطينية والأردنية. نُشرت له مئات المقالات والتحليلات السياسية وتقديرات الموقف وأوراق العمل، بالإضافة إلى حضوره النشط في الوسائل المرئية والمسموعة.

للاطلاع على ورقة السياسات بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>>ورقة سياسات: آفاق التوافق الفلسطيني الداخلي في مرحلة ما بعد معركة طوفان الأقصى … أ. عاطف الجولاني (21 صفحة، 5.3 MB)

مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 4/7/2024


جميع إصدارات ومنشورات المركز تعبّر عن رأي كتّابها ولا تُعبّر بالضرورة عن رأي مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات



المزيد من أوراق السياسات: