عقد مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، في ظلّ التداعيات المرتقبة لفوز ترامب في الانتخابات الأمريكية على مسار الأحداث في الشرق الأوسطـ، وتأثير سياساته على دول المنطقة وقضية فلسطين، ندوة علمية حول “نتائج الانتخابات الأمريكية وانعكاساتها على قضية فلسطين والعالم العربي“، بحضور ومشاركة نخبة مختارة من المتخصصين والباحثين والمهتمين بالشأن السياسي الفلسطيني والقضايا الدولية، وذلك يوم الثلاثاء في 12/11/2024، عبر نظام مؤتمرات الفيديو.
أدار مدير عام مركز الزيتونة الأستاذ الدكتور محسن محمد صالح الندوة، التي قُدِّم فيها أربع أوراق عمل. واستهلّ د. عبد الحميد صيام، الخبير في شؤون الأمم المتحدة وأستاذ الدراسات الشرق أوسطية، الأوراق المقدّمة، وقال صيام إنَّ ترامب يُنتخب وأمامه أربع أزمات، تُشكِّل تحديات كبرى لرئاسته، هي الحرب الروسية الأوكرانية، وحرب الإبادة على قطاع غزة، والحرب الأوسع في الشرق الأوسط والتي تشمل لبنان، وسورية، واليمن، والعراق، وإيران، وارتباط هذه الأوضاع بحلفاء الولايات المتحدة في دول الخليح، والتحدي الرابع هو الذي تشكله الصين على الهيمنة الأمريكية وأزمة تايوان وارتباط ذلك بالتحالفات الجديدة التي تحاول أن تفرض نظاماً دولياً متعدد الأطراف مثل مجموعة بريكس+ وشنغهاي ومجموعة العشرين وغيرها.
وأضاف صيام أن إدارة بايدن قد تحاول في أواخر أيامها أن تُنهي الحرب في لبنان أولاً وربما في غزة، وإن فشلت، وهو أمر متوقع، سيعمل ترامب على وقف الحرب لكن بالطريقة التي يرضى عنها نتنياهو. كما توقَّع صيام أن يقف ترامب مع قرار “إسرائيل” بحظر الأونروا وإنهاء دورها تماماً ووقف أي دعم لها، وأن يرجع لـ”صفقة القرن” مع إجراء تعديلات عليها لصالح “إسرائيل”، وقد يتهاون أكثر مع توسيع الاستيطان، واقتحامات الأقصى، وربما يلغي اتفاقية الوصاية الهاشمية على المقدسات المسيحية والإسلامية في القدس. وقال صيام إنّ الدولة الفلسطينية ستُختصر إلى كيان ممزق وبؤر ومعازل، وقد يجد ترامب من بعض القيادات الفلسطينية المرتبطة أمنياً بالكيان الصهيوني من يقبل بمثل هذا العرض.
ورأى صيام أنّ كل الخطط السابقة قد تفشل إذا كان هناك موقف جاد وحقيقي وصلب من الدول العربية الأساسية الثلاث: السعودية ومصر والأردن. وأضاف أنّ الدول العربية على استعداد أن تضع أياديها في أيادي “إسرائيل” والولايات المتحدة إذا ما أنجز ترامب وقف إطلاق النار في غزة ولبنان واتجه نحو إقامة الدولة الفلسطينية، وهو ما يُسهِّل على كثير من الدول ركوب قطار التطبيع، ويؤدي إلى إقصاء إيران عن المنطقة وتشديد عزلتها، وإبعاد منطقة الخليج عن المحور الصيني الروسي، أما إذا تعامل ترامب بفوقية وعنجهية، فهذا سيعزز من وجود إيران، وسيدفع دول المنطقة أن تبقي على علاقات جيدة مع إيران ومع روسيا والصين وأن تلعب دوراً أكبر في مجموعة بريكس+.
وقدَّم الدكتور أسامة أبو ارشيد، الباحث في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، الورقة الثانية، وقال إنّ ترامب هو رجل نرجسي تعاقدي بالدرجة الأولى، ويتأثر بمن حوله، وهو شخصية غير قابلة للتوقع، وهذا يعود لشخصه، ولأنّه لا يملك تصوراً منسجماً للسياسة الخارجية، وهو متمرد بذاته على المؤسسة، ويأتي بأجندة لتغيير الصورة العالمية، ولكنّ هذا لا يعني إنه سينجح، لأنّ هناك منافسات ستكون مع الصين تحديداً، وستكون هناك خلافات مع ألمانيا، وفرنسا، والناتو، وغيرها من الجهات. وأضاف أبو ارشيد أنّ ترامب استطاع أن يُطهِّر الحزب الجمهوري من الأغلبية المعارضة له من رجال الدولة، فهو اليوم يتعامل مع حزب صاغه على صورة حركته الترامبية. وقال إنّ الذي يصنع السياسة الخارجية الأمريكية بالدرجة الأولى هو الرئيس، لأن لديه صلاحيات شبه مطلقة.
وأكّد أبو ارشيد أنّ هناك حديثاً عن إغلاق مؤسسات أي صوت معارض لـ”إسرائيل” في أمريكا، وأصبح وجود العرب مهدَّداً. ورأى أنّ المقاومة في فلسطين وفي لبنان قدَّمت وما زالت تقدم الكثير من التضحيات والبطولات، وأضاف أنّه يجب أن لا نحمّل المقاومة أكثر مما تحتمل، وأنَّ الرهان على الموقف العربي والإسلامي هو مبالغة في الأوهام، لأن هذه الأنظمة ستبقى مهتمة بمصالحها بالدرجة الأولى.
وقال أبو ارشيد إنّ عملية التطبيع التي تبناها ترامب مع نتنياهو، على أساس أن التطبيع يقوم مع المحيط العربي، ثم يجد الفلسطينيون أنفسهم جزيرة معزولة، لن يبقى أمامهم إلا أن يطبّعوا ويقبلوا بما يعرض عليهم. وأضاف أنّ قيام نتنياهو بتسمية مستوطن إسرائيلي كان عضواً في مجموعة كهانا، وهي مصنفة إرهابية في أمريكا، سفيراً، هو نوع من التوافقات الضمنية فيما يتعلق بمسألة الضم، ليس فقط في قطاع غزة، إنما أيضاً في الضفة الغربية.
وفيما يتعلق بإعادة التشكيل في فلسطين وقطاع غزة، قال أبو ارشيد إننا على موعد مع مرحلة صعبة، ويجب عدم المراهنة على دور مسعد بولس، صهر ترامب، لأنّه لن يتحرك خارج ثوابت الإطار العام للسياسة الأمريكية المنحازة، وخصوصاً في ظلّ وجود محتمل أن يسيطر تيار متمرد وفوضوي وأيديولوجي على السياسة الخارجية.
وقدّم الورقة الثالثة أ.د. سامي العريان، مدير مركز دراسات الإسلام والشؤون الدولية CIGA، وقال إنّ من أهم التداعيات الاستراتيجية لطوفان الأقصى أنّه ضرب المشروع الإسرائيلي الذي كان يريد حسم القضية الفلسطينية، كما ضرب الكثير على الجانب الأمني والاستخباراتي والعسكري، وعلى مستوى السردية والإعلام والوضع القانوني والهجرة والاقتصاد الإسرائيلي. وأضاف أنّ “إسرائيل” ترى أنّ هذه الحرب هي حرباً وجودية، ووضعت أهدافاً كبيرة جداً من الصعب تحقيقها إلا بكثير من الشروط بما فيها أمور لا بدّ أن تقوم بها أنظمة عربية أو الولايات المتحدة الأمريكية. وهذه الأهداف هي استعادة قوة الردع وهزيمة المقاومة هزيمة تامة في المنطقة ككل، وخصوصاً أنّ أمريكا تعطي “إسرائيل” حرية كبيرة جداً في التعامل مع الحركات خارج إطار أُطُر الدولة، لكنها في المقابل تريد أن تدخل في القرار عندما يتعلق الأمر بإيران. وحسم الموضوع الفلسطيني، واستغلال الطوفان كفرصة للتغيير الديموجرافي وطرد الفلسطينيين والضم والتهويد، وستحاول “إسرائيل” قدر الاستطاعة مقايضة ترامب على هذه المسائل. كما ستحاول “إسرائيل” من خلال أمريكا الضغط على إيران حتى تنصاع إلى اتفاقية تسلم فيها كل التكنولوجيا النووية وتحد من قوتها الصاروخية. وأخيراً ضغط أمريكا على الدول العربية ثم الإسلامية للتطبيع.
وفيما يتعلّق بموضوع المستقبل طرح العريان سيناريوهين، الأول أنّ “إسرائيل” تريد أن تفرض نظاماً جديداً في الشرق الأوسط، في جوهره هو القضاء على قوى المقاومة وعلى محور المقاومة، وأن تستعيد صورة القوي، وفي الوقت نفسه تريد تنفيذ خطة الضم، والمقايضة على ضمّ المنطقة ج. ومن الممكن أن يكون هناك خطة لعمل شيء للفلسطينيين لتسهل على الحكومة السعودية القيام بالتطبيع، وبالتالي فإنّ الموقف العربي هو أكبر نقطة ضعف في كل المشهد. أما السيناريو الثاني، فهو ليس أمام محور المقاومة إلا الاستمرار، وإذا لم تُستنزف “إسرائيل” ستَفرض تسويات في غاية القسوة ليس فقط على الفلسطينيين بل على المنطقة ككل، وسيكون لها تداعيات كارثية.
وقدّم أ. د. وليد عبد الحي، الخبير في الدراسات المستقبلية والاستشرافية، الورقة الرابعة، وقال إنّه علينا النظر إلى أربعة عوامل لتحديد ما الذي سيفعله الحزب الفائز في الانتخابات الأمريكية خصوصاً في القضايا العربية، وهي أولاً الفرق الاستراتيجي وليس التكتيكي في الشأن الخارجي بين الأحزاب خصوصاً الديموقراطي والجمهوري، كالتدخل العسكري، والوعود بتحقيق تسوية سلمية في الشرق الأوسط، واستخدام الفيتو في مجلس الأمن، والموقف من القدس. وثانياً الفرق بين شخصيات الرؤساء، حيث إنّ الولايات المتحدة هي دولة مؤسسية تضع حدوداً لدور الرئيس ولدور الفرد، فيستطيع أن يراوغ ويناور في السلوك التكتيكي التنفيذي وليس في التوجه الإستراتيجي. وثالثاً الظرف الدولي الذي سيؤثر على سلوك الرئيس. ورابعاً الموقف العربي، وهو المحدد الرئيسي للسلوك الأمريكي.
ورأى عبد الحي أنّه إذا بقي الموقف العربي على حالته التي هو عليها الآن، فإن ترامب سيحاول أن يحصل منهم على أكبر قدر من المنافع، من ناحية بيع السلاح، والتجارة، والاستثمار، وغيرها. وأضاف أنّ ترامب قد يحاول أن يستغل بعض السياسات والتوجهات الإيرانية ليخيف العالم العربي ليدفعهم إلى مزيد من الاعتماد عليه وشراء السلاح. وقال إنّه من الممكن أن يكون هناك نقاط تصادم بين ترامب وإيران هي استمرار الحصار، والاتفاق النووي، والموقف من محور المقاومة، ولكن موقفه من هذه العناصر الثلاثة مرتبط بدرجة المساندة العربية له أو عدم ذلك. كما أكّد أنّ موقف الدول العربية أيضاً هو الأساس في تحديد موقف ترامب من “إسرائيل”، لأنّه يستجيب للضغط الجاد بسبب براجماتيته إذا شعر بأن الموقف العربي سيؤثر على مصالحه وتجارته.
وخَلُص عبد الحي إلى أنّه يجب التركيز على أدوات التأثير على ترامب، وليس على أدوات التأثير التي لدى ترامب على الموقف العربي.
وكانت هناك مداخلات وتعليقات مهمة من مجموعة من الخبراء والمتخصصين على الأوراق المقدمة؛ واختُتمت الجلسة بإجابات وتوضيحات مقدِّمي المداخلات على تساؤلات المناقشين وملاحظاتهم.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 13/11/2024
أضف ردا