الصفحات الأولى من “دراسة علميّة: أداء السلطة التشريعية الفلسطينية 1996-2013 … أ. عزيز كايد” (نسخة نصيّة HTML)
النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا (31 صفحة، 746 KB)
دراسة علميّة: أداء السلطة التشريعية الفلسطينية 1996-2013 … أ. عزيز كايد [1]
تمهيد:
من ناحية موضوعية، لا يستطيع أيّ بحث أن يغفل الخصوصية الفلسطينية التي تواجه الواقع الفلسطيني بشكل عام. كما أن تقييم أداء أيّ جهة، أو سلطة، أو مؤسسة فلسطينية لا بدّ أن يأخذ بالحسبان الظروف الموضوعية، الداخلية والخارجية، التي تواجه الواقع الفلسطيني، وتحدث تأثيرات مختلفة، وبمستويات متعددة على هذا الأداء.
فعلى صعيد السلطة التشريعية، والتي هي المجلس التشريعي، وبعد تأسيس السلطة الوطنية الفلسطينية سنة 1994، جرت انتخابات المجلس التشريعي مرتين، الأولى في 20/1/1996، شاركت فيها حركة فتح وبعض المستقلين، وقاطعتها الفصائل الأخرى وخصوصاً حركة حماس، والتي رفضت الاتفاقيات الموقعة بين منظمة التحرير و”إسرائيل”، وقاطعت كلّ ما تمخض عنها. وقد نتج عن هذه الانتخابات، التي جرت على أساس نظام الدوائر الانتخابية، مجلس تشريعي كان من المفترض أن تنتهي ولايته في 4/5/1999، وهي نهاية المرحلة الانتقالية حسب الاتفاقيات السياسية الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية، إلا أن المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية مدّد ولاية المجلس التشريعي، إلى أجل غير مسمى، بسبب عدم انتهاء المرحلة الانتقالية. وبعد فشل مفاوضات كامب ديفيد سنة 2000 واندلاع انتفاضة الأقصى، واصل المجلس التشريعي أعماله، كغيره من المؤسسات الفلسطينية، بصورة تلقائية. وبذلك دامت فترة المجلس التشريعي الأول عشر سنوات، وهو أمر مخالف للقوانين الفلسطينية نفسها، ولكنه يندرج ضمن الخصوصية الفلسطينية.
جرت الانتخابات الثانية في 25/1/2006، وشاركت فيها معظم الفصائل التي قاطعتها في المرة السابقة، ومنها حركة حماس والجبهتان الشعبية والديموقراطية، وعلى أساس قانون الانتخابات المعدل، الذي رفع عدد أعضاء المجلس من 88 إلى 132 عضواً، واعتمد نظاماً انتخابياً يقوم على المناصفة بين الدوائر والقوائم الانتخابية. نتج عن هذه الانتخابات مجلس تشريعي عمل لعام واحد، واجه خلاله العديد من المعوقات، الداخلية والخارجية. أهمها قيام الاحتلال الإسرائيلي باعتقال 43 من نواب حركة حماس من الضفة الغربية، بمن فيهم رئيس المجلس عزيز دويك وأمين سر المجلس محمود الرمحي، وذلك عقب أسْر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط على أيدي مقاتلي الحركة في قطاع غزة في 25/6/2006، أي بعد خمسة شهور فقط من الانتخابات. وكذلك الحصار الدولي الشامل الذي تعرضت له السلطة الفلسطينية بمؤسساتها المختلفة، ومنها المجلس التشريعي، بعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية، وتشكيلها للحكومة الفلسطينية العاشرة أواخر آذار/ مارس 2006. ثم هناك المناكفات ومحاولات التعطيل المستمرة في جلسات المجلس، التي رافقت حالة التوتر السياسي، والأمني، والميداني بين حركتي حماس وفتح، إلى أن تعطل المجلس التشريعي بشكل كامل، بسبب الانقسام الفلسطيني الذي حدث منذ 14/6/2007 وما زال مستمراً حتى اليوم. وعلى الرغم من أن ولاية المجلس انتهت في 25/1/2010، أي بعد أربع سنوات من انتخابه، إلا أن المجلس المركزي الفلسطيني التابع لمنظمة التحرير قام في 16/12/2009 بتمديد ولاية المجلس التشريعي المنتهية، وكذلك ولاية الرئيس محمود عباس المنتهية أيضاً، إلى أجل غير مسمى بسبب صعوبة إجراء انتخابات جديدة في ظلّ الانقسام. وهكذا تتكرر تجربة المجلس التشريعي الأول، ويتم استحضار “الخصوصية الفلسطينية” التي تُخرج الأمور عن سياقها السليم.
انعكست نتائج الانقسام، سياسياً وجغرافياً، على المجلس التشريعي بشكل مباشر، وتبلورت حالة جديدة وفريدة للمجلس، بحيث شرع أعضاء المجلس من كتلة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس، والموجودون في قطاع غزة فقط، بعقد اجتماعات متواصلة برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس الدكتور أحمد بحر. بينما شكّل أعضاء المجلس من الكتل الأخرى، من الضفة والقطاع، ما سموه “هيئة الكتل البرلمانية”، و”اللجان البرلمانية”، و”مجموعات العمل” التي تجتمع في رام الله. وهكذا، لم يعد المجلس التشريعي بعد الانقسام مجلساً موحداً، وإنما أصبح يعاني ازدواجية غريبة، ولا يعترف كلّ طرف فيها بما يصدر عن الطرف الآخر من قرارات وتوصيات وقوانين، علماً أن هناك آراء قانونية، فيما جرى ويجري باسم المجلس التشريعي، لا بدّ من الإشارة إليها في سياق هذا الفصل.
بهذه الصورة، يتضح أنه ليس من الإنصاف تقييم أداء المجلس كمؤسسة واحدة منذ تأسيسه سنة 1996 وحتى اليوم. فالمجلس الأول عمل لمدة عشر سنوات من الاستقرار، بينما لم يأخذ المجلس الثاني أيّ فرصة يمكن تقييمه بناء عليها. لذا، نرى في هذا الفصل أنه لا بدّ من التمييز بين المجلسين عند مناقشة وتقييم الجوانب المختلفة للأداء، حيث لا يمكن المساواة بينهما من النواحي المختلفة، سواء ما يتعلق بالظروف التي مرّ بها كلّ منهما، أم الفترة الزمنية التي عمل خلالها.
لما سبق، يتناول هذا الفصل أداء السلطة التشريعية الفلسطينية، أي المجلس التشريعي، في الفترة 1996–2013 ضمن ثلاثة أجزاء: الأول إطار نظري يتناول الجوانب المختلفة لدور المجلس التشريعي كبرلمان، والتي يمكن تقييم أدائه بناء عليها، كالدور التشريعي والرقابي والسياسي، والثاني مراجعة وتحليل لأداء المجلس التشريعي الأول الذي استمرت ولايته في الفترة 1996–2006، والثالث مراجعة وتحليل لأداء المجلس التشريعي الثاني الذي انتخب في بداية سنة 2006 وما زال يعاني من التعطيل الكامل حتى اليوم.
أولاً: الإطار النظري لدور المجلس التشريعي:
من المعروف أن البرلمانات تضطلع بمهمتين أساسيتين، مهمة تشريعية تتعلق بإقرار القوانين والتشريعات المختلفة، ومهمة رقابية تتعلق بالرقابة على الأداء الحكومي من خلال أدوات الرقابة المتعددة. لكن في الحالة الفلسطينية، وبسبب استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومواصلة النضال من أجل التحرر، يمكن تصور دور وطني وسياسي من المفترض أن يشارك به المجلس إلى جانب المؤسسات والفصائل في الداخل والخارج. وبسبب حداثة التجربة وعدم وجود خبرات سابقة، يمكن الإشارة إلى دور آخر يُفترض أن يقوم به المجلس التشريعي، وهو المشاركة في ترسيخ أسس التحول الديموقراطي وحقوق الإنسان في الكيان الفلسطيني الجديد، أي السلطة الفلسطينية. ومرة أخرى، تندرج هذه الأمور ضمن الخصوصية الفلسطينية، بحيث يصبح دور المجلس التشريعي دوراً مركّباً.
مع قدوم السلطة الفلسطينية، كانت الضفة الغربية وقطاع غزة تخضع لمنظومة متعددة من التشريعات، فإضافة إلى التشريع الأردني الذي كان يطبق في الضفة الغربية، والتشريع المصري الذي كان يطبق في قطاع غزة، كانت هناك أيضاً بعض التشريعات والقوانين التي تعود إلى فترة الحكم العثماني، وأخرى إلى فترة الاستعمار البريطاني، وأخيراً الأوامر العسكرية الإسرائيلية بعد سنة 1967.
في ظلّ هذا الخليط المتعدد من التشريعات، ومن أجل الخروج من ازدواجية التشريعات ما بين الضفة الغربية وقطاع غزة، فقد كانت المهمة الرئيسية للمجلس التشريعي “تأسيس نظام قانوني فلسطيني موحد، ووضع قوانين جديدة موحدة” .[2]
حسب القانون الأساسي يعدُّ المجلس التشريعي السلطة التشريعية المنتخبة (مادة 47)، وهو وحده الذي يتولى مناقشة مشاريع القوانين بدءاً من المناقشة العامة، ومروراً بالقراءتين الأولى والثانية، وانتهاء بالقراءة الثالثة إذا لزم الأمر، ثم رفْعها إلى رئيس السلطة للمصادقة عليها، وذلك ضمن إجراءات وفترات زمنية محددة تضمنها النظام الداخلي (المواد 65–72). ويحق لأعضاء المجلس ولجانه، مثلهم مثل الوزراء والحكومة، تقديم مشاريع القوانين للمجلس. وبهذا فإن الاختصاص التشريعي هو الاختصاص الأصيل للمجلس التشريعي.
على صعيد الدور الرقابي، ينص القانون الأساسي على أن رئيس الوزراء وأعضاء حكومته مسؤولون مسؤولية فردية وتضامنية أمام المجلس التشريعي (مادة 74).
وكغيره من البرلمانات، يمتلك المجلس التشريعي، استناداً إلى القانون الأساسي والنظام الداخلي، العديد من أدوات الرقابة البرلمانية على أعمال السلطة التنفيذية، مثل توجيه الأسئلة للوزراء، واستجوابهم، وتشكيل لجان التحقيق، وحجب الثقة عن الحكومة أو وزراء فيها (القانون الأساسي المواد 56–58). كما يمتلك المجلس حقّ مناقشة البرنامج الحكومي والموازنة العامة وخطة التنمية، وحقّ المصادقة على بعض التعيينات العليا، واتفاقيات القروض، والحساب الختامي. وكلّ ذلك يعدُّ من الأدوات التي ينبغي أن يستخدمها المجلس للرقابة على الحكومة ومساءلة الوزراء.
لهذا، فإن متابعة أداء المجلس التشريعي وتقييم هذا الأداء، يتطلب دراسة مدى قدرة المجلس على استخدام صلاحياته وتوظيف اختصاصاته الواردة، في كلّ من القانون الأساسي للسلطة الوطنية والنظام الداخلي للمجلس نفسه. وكذلك مدى قدرته على ترسيخ مكانته في النظام السياسي الفلسطيني الوليد، من خلال رسم علاقة سليمة وواضحة مع السلطات الأخرى، وخصوصاً السلطة التنفيذية.
من الجدير بالذكر أن صلاحيات المجلس منصوص عليها في الاتفاقية المرحلية بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة الإسرائيلية سنة 1994، إلا أن تقييمنا لأداء المجلس التشريعي يستند إلى القانون الفلسطيني والواقع الفلسطيني، وليس للشروط الإسرائيلية الواردة في الاتفاقيات السياسية. وذلك من باب وطني أولاً، إذ إننا نحتكم إلى ما وضعناه بأيدينا، وليس إلى ما فرضته هذه الاتفاقيات المجحفة بحقنا، ثم إن الاحتلال نفسه داس هذه الاتفاقيات، وتجاوز كلّ النصوص، وألغى كلّ المراحل، حين اجتاح مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية خلال انتفاضة الأقصى سنة 2002.
[1] باحث في الشأن الفلسطيني السياسي والبرلماني والاجتماعي وقضايا حقوق الإنسان، مقيم في رام الله. حاصل على شهادة الماجستير في العلوم السياسية من الجامعة الأردنية سنة 1993. عمل باحثاً رئيسياً في وحدة البحوث البرلمانية في المجلس التشريعي الفلسطيني، ثم محرراً رئيسياً في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان. عُين نائباً لأمين عام مجلس الوزراء في الحكومة الفلسطينية العاشرة سنة 2006، وبعد اعتقاله من قبل سلطات الاحتلال، عمل باحثاً مستقلاً لدى العديد من مراكز الأبحاث. يعمل حالياً مديراً لمكتب قناة الأقصى الفضائية في الضفة الغربية.
النص المعروض هو للصفحات الأولى من الدراسة العلميّة … للاطلاع على الدراسة كاملةً اضغط هنا (31 صفحة، 746 KB)
أضف ردا