يسر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات أن يقدم ورقة عمل للأستاذ الدكتور معين محمد رجب، بعنوان ”الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة: التطورات والمسارات المحتملة“. وقد قُدِّمت هذه الورقة في الجلسة الثالثة من حلقة نقاش بعنوان: “قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2020 – تقدير استراتيجي 2021“، والتي أقامها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الثلاثاء في 2021/2/2. للاطلاع على الورقة بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> ورقة عمل: الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة: التطورات والمسارات المحتملة … أ. د. معين محمد رجب (16 صفحة، 1 MB) |
ورقة عمل: الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة: التطورات والمسارات المحتملة[1] … أ. د. معين محمد رجب[2]
أولاً: التقييم الاستراتيجي:
1. معاناة جديدة تضاف إلى ما سبقها:
كانت سنة 2020 في فلسطين هي الأشد من حيث الضائقة والمعاناة الاقتصادية، إذ انكمش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 12% وفقاً للبيان المشترك لسلطة النقد والجهاز الإحصائي في نهاية السنة المذكورة. وتراجع نصيب الفرد بنحو 14% مع فجوة هائلة بين حالتي الضفة والقطاع لصالح الضفة. وذلك خلافاً للتوقعات التي أجريت في مطلع السنة التي كان متوقعاً فيها تحقيق نمو إيجابي وإن كان محدوداً، وهو انكماش كبير يحتاج إلى معدلات نمو إيجابية عالية لعدة سنوات لتجاوز هذه الحالة.
كما حدث تفاوتٌ كبيرٌ في تراجع نمو الأنشطة الإنتاجية، إذ انكمش نشاط الزراعة بنحو 11%، والصناعة بنحو 12%، والخدمات بنحو 10%، وكان أعلاها تراجعاً الإنشاءات؛ بنمو سالبٍ قدره 35%.
عانت المالية الحكومية من عجزٍ كبيرٍ، بلغ 450 مليون دولار وفقاً لبيانات الأشهر (كانون الثاني/ يناير – تشرين الثاني/ نوفمبر) وعلى أساس سنوي، حيث شكل العجز 21.3% من صافي الإيرادات العامة، مع تباينٍ شديدٍ في كل من الإيرادات العامة والنفقات العامة من ربع لآخر، وكان أشدها الربع الثاني لـ 2020، وجرى تغطية هذا العجز من خلال الدعم الخارجي والاقتراض الداخلي من الجهاز المصرفي وغيره.
ولم يكن هذا الانكماش المشار إليه في النمو قاصراً على الحالة الفلسطينية، فقد كان ممتداً إلى الاقتصاد العالمي في مجموعه، ليصل إلى نمو سالبٍ قدره 4.4% على مستوى العالم ككل، حسب تقديرات صندوق النقد الدولي International Monetary Fund، بما في ذلك البلدان المجاورة كالأردن، ولبنان، و”إسرائيل” التي تحقق نمواً سالباً أيضاً. حيث مثَّلت السنة المذكورة صدمة شديدة ودرجة عالية من المخاطر، لم تكن متوقعة حتى في أكثر بلدان العالم تقدماً، كما هو الحال في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي اليابان، والاتحاد الأوروبي، مع اتباع أنظمة للطوارئ لمواجهة هذه الجائحة التي ارتبطت بتطبيق عزلة داخلية، فتوقفت إلى حدٍ كبيرٍ حركة الطيران، والنقل، والمواصلات، والقطاع السياحي—الذي كان أكثرها معاناة—وغيرها من الأنشطة. ومما يلفت الاهتمام أن دولة الصين كانت هي الرافعة التي أسهمت في تقليل حجم الانكماش العالمي المشار إليه، اذ كانت بين الدول القليلة التي حققت نمواً إيجابياً سنة 2020، بلغ 1.3% بالرغم من الجائحة.
إن هذه الصدمة ما تزال قائمة على الرغم من بوادر آمال بتحسن الأوضاع على ضوء نجاح عدد من بلدان العالم في التوصل إلى لقاحات مضادة للجائحة، وإن لم تكن هذه اللقاحات تشكل مناعة كاملة أو كافية من حيث تغطية الاحتياجات الفعلية لبلدان العالم في الوقت المناسب.
2. مؤشرات أخرى بالغة الأهمية زادت مخاطرها واشتدت معاناتها، للحالة الفلسطينية في الضفة والقطاع، إضافة إلى المعاناة الممتدة في السنوات السابقة:
تبقى المعاناة في الشأن الفلسطيني ممتدة إلى مختلف المؤشرات الأساسية، خصوصاً قطاع التشغيل، فقد توقف أكثر من 66 ألف عامل عن العمل، ولينخفض عدد العاملين في سوق العمل إلى 884 ألف بدلاً من 950 ألفاً في السنة السابقة، فارتفع معدل البطالة إلى 27.8% بدلاً من 26.3% سنة 2019، وبمعنى آخر فإنه بدلاً من النجاح في زيادة عاملين جدد أو الحفاظ على المستوى السابق فإن النتيجة كانت عكسية، وهذا الكم الهائل من البطالة له الكثير من الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية.
كما استمر عجز الميزان التجاري مع تراجع حجم التبادل الخارجي الذي بلغ 10 مليارات دولار، أي بنقص يقدر بنحو 10% مقارنة بالسنة السابقة. حيث بلغت الصادرات نحو 2.5 مليار دولار مقابل واردات بنحو 7.4 مليارات دولار. أي بعجز يقدر نحو 4.9 مليارات دولار.
كما انخفضت مؤشرات أسواق الاستثمار والاستهلاك العام والخاص انخفاضاً شديداً. كما تراجعت أموال الدعم الخارجي بدرجة ملحوظة من 665 مليون دولار إلى 458 مليون دولار، وذلك فيما بين سنتي 2018-2019.
3. جوانب أخرى لتشخيص أوضاع الاقتصاد الفلسطيني في الضفة والقطاع:
لم تكن هناك استراتيجية حكومية معتمدة للرؤية المستقبلية أو ملزمة من حيث التنفيذ للمدى البعيد بحيث تتبناها وتجددها الحكومات المتلاحقة، كما لا توجد سياسات راسخة تصب في الاتجاه الرئيسي الاستراتيجي نفسه، بل هناك سياسات منعزلة لكل حكومة على حده.
فعلى سبيل المثال كانت هناك أجندة خماسية للسياسات الوطنية (2017-2022) في عهد حكومة الحمد الله، التي جاءت امتداداً لخطط التنمية الوطنية التي أعدتها دولة فلسطين منذ سنة 2008. فكانت هناك خطة الإصلاح والتنمية لسنوات 2008-2010 والتي أعدت في أعقاب الانقسام الفلسطيني سنة 2017، ثم خطة إقامة الدولة وبناء المستقبل كخطة للتنمية الوطنية لسنوات 2011-2013، وأخيراً خطة بناء الدولة وتجسيد السيادة كخطة وطنية لسنوات 2014-2016.
إن أجندة السياسات الوطنية المشار إليها أبرزت ضرورة التوجه للاهتمام بالمواطن أولاً في صورة استراتيجيات قطاعية وغير قطاعية، جرى اعتبارها كخطة وطنية رابعة ولكن كبرنامج خماسي، ودون أن يكون لها أهدافاً محددة تسعى الدولة الفلسطينية للوصول إليها، خصوصاً في مجالات سوق العمل وتطوير الانتاج السلعي، وعجز الموازنة العامة، وارتفاع الديون، وزيادة معدلات الفقر.
ثم جاءت الحكومة الحالية لتتبنى الانفكاك عن التبعية للاقتصاد الإسرائيلي وتطبيق سياسة العناقيد القطاعية كالسياحة والزراعة والصناعة، دون تحديد أهداف محددة مرغوب الوصول إليها على مستوى القضايا الأساسية كالنمو الاقتصادي، والبطالة، والدَّيْن العام، والفقر.
ظلَّ الاعتماد بشكل كبير على أموال المقاصة كمصدر رئيسي للإيرادات العامة، وهي الإيرادات الناشئة عن الضرائب المفروضة على حركة الاستيراد من الخارج عبر ميناء أسدود، مع الانفتاح على العالم الخارجي في الاستيراد دون قيود ذات شأن، حيث السلع رخيصة الثمن يقابلها إنتاج محلي محدود. وهو منهج يتحقق فيه الاطمئنان نحو تحصيل قدرٍ كافٍ من الإيرادات العامة بأقل جهد ممكن، بغض النظر عن حالة الميزان التجاري الذي ظلّ باستمرار في حالة عجزٍ كبيرٍ.
إن بروتوكول باريس Paris Protocol، الذي نظم أسس تحصيل الرسوم الجمركية، به الكثير من الثغرات، ومن بينها أن الشراء من السوق الإسرائيلي الداخلي لا يتم إدراجه ضمن ترتيبات المقاصّة، وبذلك تفقد الخزينة الفلسطينية جزءاً كبيراً من مواردها. وكانت النتيجة المترتبة على ذلك أن الإنتاج المحلي لا يأخذ فرصة كافية للتطوير أو المنافسة مع المنتج الأجنبي وخصوصاً الإسرائيلي، مع التراجع في القطاعات السلعية لتشكل الزراعة في سنة 2020 نحو 7.4%، والصناعة 11.6%، والإنشاءات 4.1%، والخدمات 61% ثم أنشطة أخرى. علماً بأن إسهام الزراعة والصناعة كانت قد مثلت 15% و6.9% على التوالي، وذلك في سنة 2000. ومن الأهمية أن تقوم السلطة الفلسطينية بالمطالبة بتصحيح هذا الوضع المتعلق بأسس تحصيل الرسوم الجمركية.
لم تنل القضايا الحيوية الرئيسية كالتشغيل، وسوق العمل الاهتمام الكافي، فالبطالة الحالية لسنة 2020 مثّلت نحو 28%، مع دخول شرائح جديدة تحت دائرة الفقر والفقر المدقع، في ظلّ الاعتماد بشكلٍ كبيرٍ على التشغيل لدى الجانب الإسرائيلي الذي يقتصر على أبنائنا في الضفة، بما في ذلك العمل داخل المستوطنات. وبالتالي ظلت فرص الحصول على عمل، خصوصاً للشباب، في أدنى مستوى ممكن، مع إدراج مشاريع تشغيل مؤقتة تحت مسمى البطالة، وهي مشاريع قليلة الجدوى. علماً أن متوسط البطالة خلال الفترة 1995-2000 بلغ 17%.
لم تعتمد سياسة فعالة وكافية لتنشيط الإيرادات حيث ظلّ الاعتماد بشكل كبير على الضرائب غير المباشرة التي مثلت نحو 91% في حين أن الضرائب المباشرة التي تمولها أرباح الشركات وأصحاب الدخول العالية تبقى في حدود 9%، أي أن الفقراء هم الذين يشكلون المصدر الرئيسي للإيرادات العامة. ومع ازدياد النفقات العامة فإن القروض آخذة في الارتفاع من سنة لأخرى. وعليه، فمن الأهمية تصحيح هذا الوضع بحيث تشكِّل الضرائب المباشِرة النسبة الأعلى خصوصاً ضمن مجتمع غالبيته من الفقراء، وهذا يبتعد بنا عن تحقيق مبدأ العدالة الذي هو من أهم الأهداف الذي تسعى إليه كل دولة نحو تقريب الفوارق بين الطبقات.
إن ازدياد ديون الحكومة يترتب عليه أعباء إضافية لهذه المديونية، فهناك فوائد تلتزم الحكومة بسدادها خصوصاً للجهاز المصرفي، كما أن ازدياد الديون يضر كثيراً بالدائنين الذين يقدمون الخدمات الصحية، وخدمات التوريد المختلفة، وأعمال المقاولات وغيرها. ومن ثم فهناك ضررٌ كبيرٌ يلحق بهذه الجهات؛ فعلى سبيل المثال فإن مستشفيات القدس تكون عرضة للإفلاس أو الإغلاق من وقت لآخر للتأخير في استلام مستحقاتها عن حالات المرضى (التحويل للخارج)، في حين أن “إسرائيل” تستلم مستحقات مستشفياتها مباشرة، استقطاعاً من أموال المقاصة فيما يسمى صافي الإقراض، كما أن هيئة التقاعد الفلسطينية تفقد بدورها حقها في استثمار أرصدة صندوق التقاعد لصالح المتقاعدين بسبب تأخر استلام حصة الحكومة وحصة التقاعد التي تخصم من راتبه، وغير ذلك في مجال العطاءات الحكومية.
فيما يتعلق بالدين الحكومي الذي يكون حصيلة شقين ديون عامة خارجية وأخرى؛ فالديون الداخلية تتم من خلال الاقتراض من الجهاز المصرفي ولآجال قصيرة واجبة السداد حتى لا يتعرض الجهاز المصرفي لمخاطر الانهيار، مع العلم بأن معظم ودائعه تمثّل إيداعات للقطاع الخاص، أما الشقّ الآخر من الديون الداخلية فيتم الحصول عليها من هيئات عامة كصندوق الاستثمار الفلسطيني، وهيئة التقاعد، وهيئة البترول وغيرها، ولا تلتزم الحكومة بتحديد موعدٍ للسداد، ليأخذ هذا مسمى “متأخرات”. ومع استمرارية عملية الاقتراض يتراكم على هذا الدين مبالغ كبيرة، ويكتفى بالإشارة إلى الديون الجديدة فقط دون ذكر المتأخرات. وعند حساب هذه المتأخرات، كما هي في نهاية سنة 2019 كمبالغ متراكمة، يتضح أن إجمالي الديون العامة في التاريخ المذكور قد تجاوز 6.7 مليارات دولار وبمتوسط 1,300 دولار لكل فلسطيني في الضفة والقطاع.
تتعامل الحكومة الإسرائيلية مع الفلسطينيين كطرف ضعيف. فقد شهدت سنة 2019، وتحديداً منذ آذار/ مارس، إقرار “إسرائيل” لقانونٍ يتم بموجبه الخصم من أموال المقاصّة الفلسطينية ما يعادل قيمة المبالغ التي تدفعها الحكومة الفلسطينية لأسر وعوائل الأسرى بقيمة 600 مليون شيكل (نحو 168 مليون دولار)،[3] وقد قابلت الحكومة الفلسطينية هذا الموقف برفض استلام هذه الأموال. وتكرر الأمر في سنة 2020، حيث استولت “إسرائيل” مرة أخرى على جزء من أموال المقاصّة بالقيمة نفسها، وهي 600 مليون شيكل (نحو 175 مليون دولار حسب سعر صرف الدولار لسنة 2020)،[4] ولم تنجح السلطة في استرداد هذه المبالغ التي ستتكرر سنوياً خلال السنة الجديدة والسنوات التالية، مما يزيد من إرهاق كاهل الحكومة الفلسطينية في مجال المالية العامة.
أصبح المجتمع الفلسطيني مجتمعاً استهلاكياً ينفق أكثر مما يحققه من دخل، من خلال ما يحصل عليه من موارد أخرى كالمعونات الإغاثية، والتحويلات الخارجية، كما أصبح قليل الادخار ومن ثم قليل الاستثمار. كما شكَّلت مخصصات وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) United Nations Relief and Works Agency for Palestine Refugees in the Near East (UNRWA) للاجئين الفلسطينيين أحد المصادر المهمة في مجال الإغاثة والتشغيل في دور مواز للدور الحكومي، حيث يستفيد من هذا المورد شريحة واسعة من اللاجئين الفلسطينيين.
4. معاناة مضاعفة لسكان قطاع غزة:
بحكم الانقسام سنة 2007 من جهة، والحصار الاقتصادي من جهة أخرى، وصعوبات التنقل؛ فإن هناك نحو 65 ألف موظف في قطاع غزة محسوبون على كادر رواتب السلطة في رام الله مستنكفون عن العمل، مما أوجد فراغاً كبيراً في الجهاز الإداري التنفيذي، وأدى ذلك إلى الاضطرار إلى أن يحلّ مكانهم موظفون جدد، مما رتب على الحكومة الجديدة أعباءً إضافية. إن موظفي رام الله الذين توقفوا عن أعمالهم ربما تناقص عددهم لنحو 40 ألفاً بسبب بلوغ سنّ التقاعد أو الوفاة أو التقاعد القسري، وما يزال يعيش المجتمع الغزي الآثار الكارثية لهذه الحالة، فهم يشكلون شريحة واسعة، جزء منها يعيش في حالة إحباط بسبب الفراغ والقلق، وجزء آخر يزاحم المتعطلين في سوق العمل، وجزء كبير حصل على أقساط بنكية غالباً ما كانت لأغراض استهلاكية يعجز عن الوفاء بها، والبعض الآخر نجح في التكيّف مع مستجدات الحياة.
تسرَّب أطفالٌ كُثر، بين 12-17 عاماً، من مقاعد الدراسة واتجهوا إلى سوق العمل تحت إلحاح وضغط الحاجة. وغالباً ما يعملون في ظروف قاسية من حيث طبيعة العمل وساعات العمل بأقل قدرٍ من العائد، وبما يتعارض مع قانون العمل الفلسطيني.
ما زالت حالة إعادة الإعمار بعد حرب 2014 مستمرة، حيث إن ما تمّ إنجازه حتى كانون الثاني/ يناير 2021 لم يتجاوز 83% من إجمالي الوحدات السكنية المدمرة، وذلك استناداً إلى تصريحات وكيل وزارة الأشغال العامة والإسكان. وأما ما أنجز من الإعمار فيما يتعلق بالأضرار الجزئية فقد بلغ نحو 58% فقط من مجموع الوحدات السكنية الذي يضم نحو 75 ألف وحدة، والتي تحتاج لنحو 94 مليون دولار لاستكمال إعادة إعمارها.
كذلك فإن حالة البنية التحتية في مجال المياه والصرف الصحي والكهرباء بالغة الصعوبة. حيث أُنفق نحو 750 مليون دولار منذ نيسان/ أبريل 2013 وحتى 2021، في سبيل توفير مياه عذبة من خلال تحلية مياه البحر، من خلال محطتين في كل من دير البلح وغزة، إلا أن قدرتهما حتى الآن تقتصر على توفير نحو 10-20% من الاحتياجات الفعلية، في ظلّ مقترحٍ يجري العمل على تنفيذه من خلال محطة مركزية لتحلية مياه البحر تحتاج إلى تمويل يتراوح بين 500-600 مليون دولار. ويبقى العائق الأساسي هو حجم الصرف الصحي الهائل الذي يتعذر معالجته بالكامل لنقص الطاقة الكهربائية.
حالة قطاع غزة والتي كشف عنها تقرير المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان Euro-Mediterranean Human Rights Monitor منذ أيام قليلة استناداً إلى التقرير الاقتصادي الأخير لمنظمة مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) United Nations Conference on Trade and Development (UNCTAD):أ[5]
بلغت التكلفة الاقتصادية لحصار غزة منذ بدئه في سنة 2007 نحو 16.7 مليار دولار، أي بواقع 9 آلاف دولار لكل مواطن، رافق ذلك حدوث تطورات في المؤشرات التالية:
ولخطورة هذا الأمر، اتفقت المرجعيات الدولية القانونية على أنه يشكل جريمة حرب بكل ما تعبره من معنى.
أشكال بيانية تعكس الحالة الراهنة لعدد من المؤشرات في غزة
إن تشخيص الوضع السابق من جهات الاختصاص من الأهمية بمكان، من أجل المساعدة في اختيار السياسات الملائمة للتعامل مع الحالات المشار إليها بالشكل الذي يسهم في التغلب عليها.
ثانياً: الرؤية الاستراتيجية لسنة 2021 من خلال سيناريوهات التنبؤ:
1. إرث شديد من المعاناة صاحب الجائحة:
تنطلق سنة 2021 مع إرثٍ شديد الصعوبة والقسوة بالنسبة للاقتصاد الفلسطيني الذي أصبح محكوماً بعوامل عديدة، الجزء الأكبر منها خارج نطاق سيطرته. فالانكماش الذي تحقق سنة 2020 أصاب الكثير من الأنشطة بحالة من الشلل أو الجمود، مع بقاء الأنشطة الأخرى الأوفر حظاً تصارع البقاء، مع الأمل في أن تحمل السنة الجديدة بعض الجوانب الإيجابية التي يمكن أن تعيد الثقة للاقتصاد الفلسطيني ولو جزئياً، حيث الارتباط بالعوامل السياسية ارتباط كبير، وبالعوامل المحلية الداخلية ارتباطاً أكبر في ظلّ سيطرة الاحتلال سيطرة كبيرة على جميع مفاصل الحياة الفلسطينية دون الالتزام بأيّ ضوابط أو تفاهمات.
2. الاهتمام الدولي والمحلي باستشراف المستقبل:
إن استشراف المستقبل الذي تسير عليه العديد من بلدان العالم والمنظمات الدولية كصندوق النقد له أهمية بالغة، لأنه يسلط أضواء كاشفة على اختلاف الرؤى والمخاطر التي يمكن أن يتعرض لها أي مجتمع، وبالتالي التنبيه على المخاطر المحتملة، والحثّ على أن يكون المجتمع في أعلى جهوزية لأحداث المستقبل بإيجابياتها وسلبياتها، من أجل تعظيم المنافع وتقليص الأضرار، مع القدرة على تنفيذ السياسات والاستراتيجيات المعتمدة كثوابت ملزمة.
درج الجهاز الإحصائي وسلطة النقد منذ سنوات، على عرض السيناريوهات المختلفة للأحداث المتوقفة والمخاطر المحتملة، استناداً إلى تقييم الأوضاع الراهنة والمستجدات بشأنها، باتباع أساليب علمية تساعد في هذا الاتجاه، وذلك بمشاركة خبراء وذوي اختصاص في مجالات عدة. إلا أن الأصل أن تكون هناك سياسة حكومية راسخة، قادرة على التعامل مع كافة المتغيرات والصدمات والمخاطر، مع الاكتفاء بعرض ثلاثة سيناريوهات تغطي سنة واحدة جديدة على الأقل.
أ. سيناريوهات (تنبؤات) سلطة النقد:
يعتمد السيناريو الأساسي من وجهة نظر سلطة النقد، على إمكانية حدوث تعافٍ نسبي في وتيرة الاقتصاد، من شأنه إحداث تحسن للاقتصاد في الأنشطة الإنتاجية الرئيسية خصوصاً في الخدمات والتجارة، مع ترجيح التعافي في الإنفاق الحكومي، وما يرافقه من تحسّن في معدلات الاستهلاك الأسري والنشاط الاستثماري، وذلك في ظلّ المعطيات المعتادة من حيث الاحتلال وممارساته ومحاولة احتواء الانقسام وسلبياته، والتأرجح في الدعم الخارجي. ويتأتى ذلك أيضاً من حيث مراعاة مدى انحسار الأزمة الصحية وعدم حدوث موجات جديدة وما يعقب ذلك من تخفيف القيود مع استمرار تحويل أموال المقاصة بشكل منتظم، واستمرار تدفق المنح والمساعدات لخزينة الدولة، ثم عودة التمويل اللازم لعمل المنظمات الدولية.
فكأن السيناريو الأساسي استند إلى بوادر لمقدمات تشجيعية لعودة النشاط الاقتصادي بشكل تدريجي إلى المستويات السابقة، قبل الأزمة الصحية، أي الوضع الذي كان سائداً سنة 2019، بحيث يسمح ذلك بنمو الناتج المحلي الإجمالي سنة 2021 بنمو 7.1%.
يقوم سيناريو التفاؤل الذي يمثل صدمة إيجابية، على توقع حدوث تطورات إيجابية ملموسة وسريعة، بشأن الوضع الصحي، مع تسارع مستويات المنح والمساعدات، وتسهيل حركة التجارة الخارجية، وارتفاع عدد العاملين في “إسرائيل” والمستوطنات، وهذا يعطي فرصة للنمو في حدود 12.5%، وهي بالكاد تعود بنا إلى المستوى الذي كان سائداً سنة 2019.
وأما الصدمة السلبية كسيناريو متشائم؛ فهي تستند إلى حدوث تصاعد في الأزمة الصحية، وتوتر مع الجانب الإسرائيلي، وعودة أزمة المقاصة، والانخفاض الحاد في حجم المنح والمساعدات، وتراجع عدد العمال العاملين في “إسرائيل” وتقليص المنحة القطرية. كل ذلك يدفع بالمؤشرات الأساسية المتعلقة بالنمو، وعجز الموازنة العامة، وزيادة الديون، وارتفاع معدلات البطالة، ودخول أفواج كبيرة من البشر إلى مستنقع الفقر والفقر الشديد.
وعليه، فإن السيناريو المتشائم أكثر سوءاً، إذ يتوقع بموجبه أن ينكمش الاقتصاد الفلسطيني مجدداً خلال سنة 2021 بنحو 2.4%، بحيث تزداد الأمور تعقيداً وتنعكس سلباً بشكل مباشر على جميع المؤشرات السابق الحديث عنها، عند تقييم الحالة كما كانت في سنة 2020.
ب. سيناريوهات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني:
لا تختلف كثيراً رؤية الجهاز الإحصائي الفلسطيني للسيناريوهات المذكورة عن رؤية سلطة النقد الفلسطينية، فقد قام الجهاز الإحصائي الفلسطيني بالاعتماد أيضاً على سيناريوهات ثلاثة بالتشاور مع وزارة المالية وسلطة النقد.
قام السيناريو الأساسي على فرضية استمرار التأثر بجائحة كورونا، واستمرار الحصار المفروض على قطاع غزة والمساعدات الأجنبية، وإجراءات الاحتلال الإسرائيلي وعدد العاملين المتوقع في “إسرائيل”، وعلى انتظام تحويلات المقاصة الفلسطينية، مع استمرار تطبيق السياسات الاقتصادية لحكومة اشتية فيما يتعلق بالاستراتيجيات القطاعية والتنمية بالعناقيد والتركيز على القطاعات الانتاجية وخصوصاً الطاقة النظيفة والإبداع التكنولوجي، على أن تعود هذه المعطيات إلى نمو خلال سنة 2021 لنحو 6% فقط.
وأما السيناريو الثاني، أي المتفائل من وجهة نظر الإحصاء الفلسطيني، فيقوم على فرضية تحسن الوضع السياسي، والتقدم في المصالحة، والبدء بالتحضير للانتخابات التشريعية والرئاسية، وتهيئة ظروف نجاحها، مع وضوح الملامح السياسية لرؤية الإدارة الأمريكية الجديدة، وعودة المساعدة الأجنبية إلى سابق عهدها. وافتراض حدوث تسهيلات في حركة الأشخاص والبضائع مع “إسرائيل” ومع الخارج، بحيث يقود هذا السيناريو إلى نمو الناتج بنحو 13% وهو أيضاً بالكاد يغطي ما كان عليه وضع نمو سنة 2019.
في حين يعكس السيناريو الثالث صدمة التشاؤم، ويستند إلى احتمالية تسارع في حالة الإصابة والوفيات بالجائحة، وتأخر استلام اللقاحات المضادة، وبقاء الدعم الخارجي في حالة تدَنٍّ، وتراجع الإيرادات الضريبية الحكومية وعدم القدرة على تمويل مشاريع تطويرية جديدة. وبالتالي يقتصر نمو الناتج فيه على معدل ضئيل بنحو 0.9% فقط كحصيلة عامة لركود عام في غالبية الأنشطة.
3. المحصلة العامة للسيناريوهات الثلاثة التي قدمتها أكثر من جهة رسمية:
إذا بدأنا بأفضل السيناريوهات وهو مسار التفاؤل نجد أن الوضع الاقتصادي يبقى في أحسن أحواله كما كان قبل اجتياح الجائحة لبلادنا؛ حيث عاش الفلسطينيون قبل سنة 2020 ثلاث سنوات من الركود الاقتصادي للنمو الذي تأرجح بين 1.3-1.4% في المتوسط مع انخفاض في حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي.
وعن المؤشرات الأخرى كمعدلات البطالة؛ نجد أنها ستظل باقية في مستويات مرتفعة حول 25% أو نحوها، وإذا كان هناك من نمو في التجارة الخارجية في الصادرات والواردات وانتعاش في الأسواق فسيكون أيضاً محدود الأثر، ويبقى في حدود العودة إلى الأوضاع السابقة لحالة الجائحة، وهي حالات ضيقة للغاية من ناحية توفير فرص عمل جديدة، كما يُتوقع بقاء الموازنة العامة في حالة عجز كبير، مع ديون حكومية متزايدة، والتزامات بفوائد بنكية كبيرة، مع موازنات طوارئ من وقت لآخر، لا تستجيب للحد الأدنى من الاحتياجات.
4. أبرز نتائج التنبؤات الاقتصادية لسنة 2021 حسب السيناريوهات الثلاث:
نسبة التغيُّر في الناتج المحلي الإجمالي للسنوات 2015-2021 (%)
سيناريوهات (تنبؤات) النمو الاقتصادي لسنة 2021 (%)
جدوى إعداد سيناريوهات للتنبؤ:
هذه السيناريوهات وبمستوياتها المختلفة وبمؤشراتها المتعددة—التي تتركز على أهم عناصر وركائز الحياة الإنتاجية، ومدى توفر حالة الأمن والأمان المعيشي الواجب أن تتوفر للمواطن—تمثِّل رسالة واضحة المعالم لأولي الأمر في المقام الأول، وهم رئاسة الحكومة، والوزارات التنفيذية المختلفة، وللفصائل، وللقطاع الخاص، والقطاع غير الربحي، وللمؤسسات الدولية كل في حدود اختصاصاته لتكون هذه التنبؤات محل قراءة واعية تؤخذ على محمل الاهتمام الكافي.
تتمثل مسؤولية سلطة النقد الفلسطينية وكذلك الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، في رفع تقرير التنبؤات المشترك الصادر عنهما والتقرير الخاص بكل منهما إلى رئاسة الحكومة الفلسطينية، من أجل المبادرة إلى اتخاذ كل ما يلزم لوضع السياسات الملائمة لنقل الاقتصاد الفلسطيني من الحالة الراهنة إلى الحالة التي تجنبه مزيداً من المخاطر. وذلك من خلال حشد طاقات المجتمع وموارده الاقتصادية والبشرية، من منطلق أن هناك الكثير مما يمكن القيام به، والكثير مما يمكن إنجازه بالرغم من كل التحديات، طالما توفرت النوايا والإرادة معاً.
[1] قُدِّمت هذه الورقة في الجلسة الثالثة من حلقة نقاش بعنوان: “قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2020 – تقدير استراتيجي 2021″، والتي أقامها مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات يوم الثلاثاء في 2/2/2021.
[2] أستاذ الاقتصاد في عدد من الجامعات، وخبير ومحلل اقتصادي في الإعلام المحلي والخارجي. عمل سابقاً مستشاراً لسلطة النقد الفلسطينية، ومنسقاً لمعهد أبحاث السياسات الاقتصادية الفلسطيني (ماس) في رام الله.
[3] ملاحظة: تم اعتماد سعر صرف الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي لسنة 2019 بـ 3.5643.
[4] ملاحظة: تم اعتماد سعر صرف الدولار مقابل الشيكل الإسرائيلي لسنة 2020 بـ 3.4367.
[5] هي منظمة دولية تساعد على إيجاد بيئة ملائمة تسمح باندماج الدول النامية في الاقتصاد العالمي.
للاطلاع على الورقة بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي:
>> ورقة عمل: الأوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية وقطاع غزة: التطورات والمسارات المحتملة … أ. د. معين محمد رجب (16 صفحة، 1 MB) |
للمزيد حول حلقة النقاش: قضية فلسطين: تقييم استراتيجي 2020 – تقدير استراتيجي 2021، اضغط هنا
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 15/3/2021
أضف ردا