سلسلة ”مصر بين عهدين: مرسي والسيسي: دراسة مقارنة (6)“: السياسة الخارجية (النسخة الإلكترونية)
ناقشت دراسة صدرت عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، من إعداد ربيع محمد الدنان وإشراف وتحرير د. محسن محمد صالح، السياسية الخارجية المصرية خلال المفترة الممتدة ما بين 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى نهاية 2015؛ حيث تناولت الأداء المصري تجاه القضية الفلسطينية، وتطوراتها، كما تحدثت عن العلاقة المصرية – الإسرائيلية، وناقشت السياسة الخارجية المصرية مع أبرز الدول العربية والإسلامية والدولية.
وتأتي هذه الدراسة التي تحمل عنوان ”السياسية الخارجية“، وهي الإصدار السادس ضمن سلسلة دراسات صدرت تباعاً تحمل عنوان ”مصر بين عهدين: مرسي والسيسي - دراسة مقارنة“، وتناولت الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهدي الرئيسين.
وتظهر الدراسة، الواقعة في 90 صفحة من القطع المتوسط، أن مؤسسة الرئاسة المصرية انفردت بتحديد السياسية الخارجية المصرية، وتوجهاتها العامة، بما يتناسب مع مصلحة نظام الحكم؛ حيث احتكرت الرئاسة العديد من الملفات التي تراها حيوية.
فقد اختلفت طريقة واستراتيجية كل من الرئيس محمد مرسي والرئيس عبد الفتاح السياسي في التعامل مع إدارة ملف السياسة الخارجية، ففيما حاول الأول أن يقيم علاقات مع الدول الفاعلة تقوم على مبدأ الندية والتكافؤ، وتعود بالمنفعة والفائدة على مصر أولاً وعلى الدول المستهدفة ثانية، وظّف الثاني حالة الاستهداف والرفض وعدم التعاون التي اتبعتها الكثير من الدول، خصوصاً المتضررة، من صعود ”التيار الإسلامي“، مع النظام المصري في عهد مرسي، وظّف السيسي هذا الواقع لتنفيذ مخطط الانقلاب بدعم واضح من هذه الدول.
القضية الفلسطينية: تشير الدراسة إلى أن القضية الفلسطينية شكلت رافداً شعبياً للنظام المصري. فمصر تربطها بفلسطين علاقة جيو-سياسية من نوع خاص جداً، حيث تربطها روابط دينية وقومية وتاريخية. واختلفت طريقة تعامل الأنظمة في مصر مع القضية الفلسطينية، وتنوعت ما بين داعم للقضية الفلسطينية، ومدافع عن حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية، مشرِّع مقاومته للاحتلال، وبين من يرى أن المقاومة لا تصبُّ في صالح مشروع الدولة الفلسطينية وانسحاب الاحتلال. لذلك فقد اختلفت المواقف من خلال تتبع الملفات التي تربط القضية الفلسطينية بمصر. كما مرّت العلاقات المصرية الفلسطينية بعدة متغيرات بحسب الظروف السياسة والعسكرية، وكان للتغيرات السياسية الداخلية التي شهدتها مصر بعد ثورة 25 يناير أثر كبير في تحديد هذه العلاقة. وجاء في الدراسة أن الحياد المصري في مرحلة ما بعد سقوط نظام مبارك شكّل أحد أهم الأسباب الدافعة لإنضاج ملف المصالحة الفلسطينية والتهيئة الواضحة للتوقيع على الورقة المصرية. وبدأ الدور المصري الراعي لمسيرة المصالحة يستعيد مكانته، ويعيد إنتاج دوره تجاه القضية الفلسطينية وما تفرضه من أولوية تطبيق المصالحة بين الفلسطينيين. فقام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بتحويل ملف المصالحة من جهاز المخابرات إلى وزارة الخارجية. كما أشرف على لقاءات متتابعة جادة بين حركتي حماس وفتح، وصولاً إلى لحظة الإعلان عن توقيع اتفاق المصالحة بالأحرف الأولى بين الحركتين في القاهرة في 27/4/2011، ثمّ التوقيع الرسمي في 3/5/2011.
وعلى الرغم من تأكيد الرئيس مرسي على أن مؤسسة الرئاسة ستعمل ”على إتمام المصالحة الوطنية الفلسطينية“، غير أن ملف المصالحة لم يشهد تقدماً يذكر في عهده. كما انعكست الأحداث في مصر بعد عزل الرئيس مرسي على ملف المصالحة، خصوصاً بعد توتر العلاقات بين الإدارة المصرية الجديدة وحماس.
وتوضح الدراسة أن فوز مرسي شكّل نقطة تحول فارقة في العلاقة بين حماس والحكومة في غزة من جهة ومصر من جهة أخرى. فبعد أن كانت قناة الاتصال الوحيدة بين حماس ومصر تنحصر في جهاز المخابرات العامة، فإن قنوات الاتصال في عهد مرسي باتت تديرها المستويات السياسية العليا في الجانبين. وتوصلت الحكومة المصرية والحكومة الفلسطينية في غزة لاتفاقات بشأن قضايا حساسة، منها اتفاق تشكيل لجنة أمنية مشتركة لمراقبة الحدود وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون الأمني.
وفي تطور لافت للنظر، أصدر مرسي قراراً بسحب السفير المصري لدى ”إسرائيل“، على خلفية العدوان على غزة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2012، ووصف ما يحدث بأنه ”أمر خطير وعدوان سافر“، محذراً من تداعيات هذا العدوان. كما قام رئيس الوزراء المصري هشام قنديل بزيارة قطاع غزة في أثناء العدوان، على رأس وفد كبير يضم وزراء وقيادات أمنية، أعلن خلالها تضامن بلاده مع الشعب الفلسطيني.
وبعد عزل الرئيس مرسي خيّمت حالة من التوتر وعدم الثقة على العلاقة بين مصر وحماس. وشهدت هذه الفترة حملة تحريض كبيرة ضدّ قطاع غزة بشكل عام، وضدّ حماس بشكل خاص، شنتها أحزاب ووسائل إعلام وشخصيات مصرية متعددة. حيث اتهمت الإدارة المصرية الجديدة حماس بالتدخل في الشأن المصري، من خلال تهريب أسلحة، وإرسال عناصر فلسطينية للمشاركة بأحداث مصر بعد الانقلاب، وذلك على الرغم من أنها لم تقدم أيّ أدلة حقيقية على ذلك. وازدادت العلاقة سوءاً بعد قيام محكمة القاهرة للأمور المستعجلة في 4/3/2014 بحظر أنشطة حماس مؤقتاً داخل مصر. ورأت حماس أن القرار يُكرّس عداءً للمقاومة الفلسطينية، وأنه جاء تساوقاً مع حملة تحريضية إعلامية مصرية طويلة ضدّ الفلسطينيين وحماس.
وأظهرت الدراسة أنه وبالرغم من القرار المصري بفتح معبر رفح بشكل دائم بعد ثورة 25 يناير، وتسهيل حركة مرور المواطنين الفلسطينيين من المنافذ المصرية، وفق الآلية التي كان معمولاً بها قبل سنة 2007، إلا أن الجانب الفلسطيني لم يشعر بأي تحسينات. كما تمّ منع مرور بعض القوافل الإنسانية والتضامنية، ومنع وفود عربية من دخول غزة. لكن هذا الحال اختلف بعد استلام الرئيس مرسي للحكم، حيث اتخذ موقفاً واضحاً ضدّ الحصار، وقال: ”إن المعابر بيننا وبين غزة مفتوحة لتقديم ما يحتاجه أهل غزة من غذاء ودواء وتعليم وتواصل بين العائلات، فالحدود والمعابر مفتوحة لنقوم بدورنا وبواجبنا تجاه أشقائنا في غزة“.
وبدأ التغيير في سياسة السلطة الجديدة في مصر تجاه قطاع غزة يظهر بشكل ملحوظ بعد أيام قليلة من عزل الرئيس مرسي؛ وذلك من خلال ازدياد وتيرة هدم الأنفاق، وسياسة الغلق والفتح غير المنتظمة لمعبر رفح، والتي كان نظام مبارك ينتهجها؛ ليصل الإغلاق إلى ذروة خانقة في سنة 2015 وبما مجموعه 343 يوماً في السنة، حيث لم يفتح المعبر سوى 21 يوماً.
السنة 2013 2014 2015 أيام الفتح 263 قبل 30/6/2013: 175 بعد 30/6/2013: 88 123 21 أيام الإغلاق 101 قبل 30/6/2013: 5 بعد 30/6/2013: 96 241 343 العلاقات الإسرائيلية المصرية: وجاء في الدراسة أن العلاقات الإسرائيلية المصرية مرت بمرحلة تحوّل تاريخي عقب نجاح ثورة 25 يناير، فقد استمرت حساسية الموقف الإسرائيلي وغموضه حتى تنحي مبارك... كما أولت المؤسسات الإسرائيلية اهتماماً كبيراً بتأثيرات الثورة على ”إسرائيل“، وشمل ذلك الكثير من المجالات، أهمها: مستقبل معاهدة كامب ديفيد، ووضع ”إسرائيل“ العسكري والاقتصادي، وميزان القوى في المنطقة، والقضية الفلسطينية بملفاتها المختلفة. وزادت عناصر القلق الإسرائيلي بصعود الإسلاميين المعروفين بعدائهم لـ”إسرائيل“، ورفضهم لاتفاقيات كامب ديفيد، إلى سدّة الحكم.
وعلى الرغم من أن ”إسرائيل“ عملت، منذ اليوم الأول لتسلم مرسي الرئاسة، على إظهار أن العلاقة طبيعية بين البلدين، من خلال إرسال رسائل تهنئة للرئيس مرسي بمناسبة انتخابه، وبمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، رأى باحثون ومعلقون إسرائيليون أن العلاقات بين مصر و”إسرائيل“ خلال حكم مرسي كانت هشة ومتأزمة، بالرغم من محافظتها على معاهدة كامب ديفيد.
لكن هذا الحال اختلف بعد الانقلاب العسكري، حيث لم تُخفِ النُّخب السياسية والعسكرية والمثقفة في ”إسرائيل“ ارتياحها من الذي حدث في مصر. ومما لا شكّ فيه أن تحولاً قد طرأ على العلاقات المصرية الإسرائيلية بعد الانقلاب، حيث جاء هذا التحول بفعل الاعتبارات التي تحكم كلاً من قادة الانقلاب والنخبة الحاكمة في تل أبيب. ولم يكن من المفاجئ احتفاء الإسرائيليين بالانقلاب، حيث إن محافل التقدير الاستراتيجي في تل أبيب رأت أن الانقلاب قد حسَّن بشكل كبير من البيئة الاستراتيجية لـ”إسرائيل“، مما دفع صناع القرار فيها إلى التحرك بشكل فاعل للمساعدة في دعم نظام السيسي، من خلال المساعدة في تأمين شرعية دولية له، عبر تحرك ديبلوماسي ودعائي نشط في أوروبا، والولايات المتحدة، والمحافل الدولية.
كما أعرب عدد من المسؤولين الإسرائيليين عن ”ارتياحهم“ لانتخاب السيسي، ودعوا إلى دعم السيسي، الذي ”أنقذ مصر من السقوط في الهاوية“، بحسب تعبير إيهود باراك. ومن جهته فقد أكد السيسي على أنه لن يسمح بأن يتمّ تهديد أمن ”إسرائيل“ من خلال سيناء، وأكد على إقامة علاقات قوية ودافئة مع ”إسرائيل“، وشدد على أنه "توجد ثقة وطمأنينة ضخمة بين مصر وإسرائيل".
وتشير الدراسة إلى أنه من الواضح أن الواقع المصري خلال عهد السيسي ارتبط ارتباطاً قوياً بـ”إسرائيل“، ونسق معها في شؤون المنطقة الملتهبة نتيجة الصراعات، إضافة إلى ما يمكن أن يحققه التنسيق مع ”إسرائيل“ من توافق مع واشنطن. ونتيجة لذلك فإن القضية الفلسطينية افتقدت الدور المصري المؤثر، مما يشجع الاحتلال على مزيد من الانتهاكات ضدّ الفلسطينيين.
العلاقات العربية والإسلامية والدولية: اختلفت طريقة واستراتيجية كل من مرسي والسيسي في التعامل مع الدول العربية والإسلامية والغربية. كما اختلفت وجهات النظر بين السلطات المصرية خلال عهدي مرسي والسيسي، بين مؤيد للثورات وحرية الشعوب، وبين داعم للثورات المضادة، تحت عنوان محاربة الإرهاب. وظهر ذلك واضحاً في تصريحات الرئيسين، ومواقفهما من تطور الأحداث.
ومع وصول مرسي إلى سدة الحكم، برزت تساؤلات عن مدى طبيعة العلاقة التي ستتشكل بين الرئيس المنتمي إلى التيار الإسلامي، مع العالم الغربي وفي مقدمته الولايات المتحدة الأمريكية. ومن جهته فقد حاول الرئيس مرسي أن يولي اهتماماً متساوياً قدر الإمكان في تعامله مع الدائرة العربية، ثمّ الدائرة الإسلامية، فالدائرة الإفريقية، وصولاً إلى الدائرة الدولية. حيث حاول بناء جسور ثقة متبادلة مع الدولة العربية الأكثر تأثيراً في العالم العربي، وربما في المحيط الإسلامي، أي السعودية. كما شهدت العلاقة مع إيران انفتاحاً محسوباً من قبل مرسي، بعد انقطاع دام لأكثر من ثلاثين سنة، ضمن استراتيجية الانفتاح مع العالم الإسلامي وليس وفق اصطفاف دول ضدّ أخرى.
وبالمقابل عكست السياسة المصرية الخارجية، بعد عزل مرسي، هواجس النظام المصري الداخلي، حيث عملت على ترويج ما يحاول النظام ترويجه، من أجل إضافة المزيد من الإنجازات الافتراضية؛ التي تخدم نظام الحاكم وهواجسه في المقام الأول. وعانت السياسية الخارجية من غياب الرؤية؛ مما أفقد مصر دورها كفاعل رئيسي في المنطقة، وجعل مصلحتها تدور في فلك النظم الديكتاتورية؛ في الوقت الذي ارتبطت فيه مصالح النظام بتقوية العلاقات مع ”إسرائيل“، والقوى المناهضة للتغيير والديموقراطية.
وعلى الرغم من تركيز أنصار السيسي على السياسة الخارجية كأبرز نجاحاته، فإن هذه السياسة ارتبطت في مجملها بغاية حرص النظام على الحصول على الاعتراف والقبول الدولي. وبالرغم من أن هذه السياسة بدت وكأنها حققت نجاحات في الحيلولة دون عزلة نظام السيسي، فإن عدداً من الدول الكبرى رأت في علاقتها به أداة لتحقيق مصالحها في المنطقة.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2016/11/3
- مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات