الوصف
ناقشت دراسة صدرت عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، من إعداد ربيع محمد الدنان وباسم جلال القاسم وإشراف وتحرير د. محسن محمد صالح، التطورات الدستورية والعمليات الانتخابية التي شهدتها مصر في الفترة منذ 25 كانون الثاني/ يناير 2011 وحتى نهاية 2015.
وتأتي هذه الدراسة التي تحمل عنوان ”التغيرات الدستورية والانتخابات“، وهي الإصدار الأول ضمن سلسلة دراسات تصدر تباعاً تحمل عنوان “مصر بين عهدين: مرسي والسيسي – دراسة مقارنة”، وتتناول الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهدي الرئيسين.
وتظهر الدراسة، الواقعة في 79 صفحة من القطع المتوسط، أنه قد تمّ تعديل الدستور والاستفتاء عليه في ثلاث مناسبات، وتمّ إجراء انتخابات تشريعية في مناسبتين، وحكم البلاد ثلاثة رؤساء.
وتشير الدراسة إلى أن الشعب المصري خاض، حتى تاريخ الانقلاب العسكري على الرئيس مرسي في تموز/ يوليو 2013، خمس عمليات ديموقراطية انتخابية، شُهد لها بالنزاهة والحيادية، حيث أُجريت تحت إشراف قضائي، وبمراقبة من مؤسسات المجتمع المدني المحلية والدولية. وأظهرت جميع الاستحقاقات الانتخابية، التي تمّ معظمها في عهد المجلس العسكري، قوة التيار الإسلامي ومؤيديه، وعلى رأسهم الإخوان المسلمون، حيث قالت الصناديق “نعم” لتعديل الدستور في مناسبتين، وأعطت الأغلبية لهم في مجلسي الشعب والشورى، وتوجتها بفوز محمد مرسي بالرئاسة. وذلك بالرغم من الحملات الإعلامية المضادة، والدعاية المحرضة على الحركات الإسلامية ورجالاتها، والتي لم تتوقف مع الانقلاب على الشرعية، من خلال إبطال مجلس الشعب، وعزل الرئيس مرسي، وتعطيل الدستور.
وتوضح الدراسة أن الاستفتاء الأول على التعديلات التي اقترحتها لجنة التعديلات الدستورية جرى في 19/3/2011، حيث قال 77.27% من المصريين الذين شاركوا في التصويت “نعم” للدستور، وبلغت نسبة التصويت 41.19%، كما أقر المصريون خلال كانون الأول/ ديسمبر 2012 الدستور الجديد لمصر، بانتخابات حرة نزيهة وشفافة، بمشاركة واسعة، عكست رأي الأغلبية الشعبية الواسعة بدعم المسار الديموقراطي بقيادة الإسلاميين، وأظهرت نتيجة الاستفتاء، الذي شاركت فيه القوى المعارضة، أن 63.8% من المصريين الذين شاركوا في التصويت قالوا “نعم” للدستور الجديد.
وعلى الرغم من الاستعدادات المسبقة بدا إقبال المواطنين المصريين في الاستفتاء على دستور 2014 ضعيفاً جداً قياساً باستفتاء 2012، حيث شهدت لجان الاقتراع حالة من الهدوء الشديد، واختفت الطوابير التي كانت سمة بارزة في كل الاستحقاقات الانتخابية التي أعقبت ثورة 25 يناير. وبالرغم من ذلك، فقد أعلنت اللجنة المنظمة للاستفتاء أن نسبة الذين أيدوا الدستور 98.1% من المصريين الذين شاركوا في التصويت. وهو ما أثار علامات استفهام كبيرة في العودة إلى أساليب نظام مبارك في تزوير الانتخابات والاستفتاءات، حيث تحدثت التقارير عن شبهات تزوير، وعدم مصداقية الأرقام والنتائج التي أعلنتها اللجنة المنظمة للاستفتاء.
وفي ملف الانتخابات التشريعية تذكر الدراسة أنه خلال الفترة 28/11/2011–11/1/2012 جرت أول انتخابات مصرية بعد ثورة 25 يناير، بمشاركة واسعة، وإقبال كثيف. وكانت أبرز النتائج حصول حزب الحرية والعدالة، الذي أسسته جماعة الإخوان المسلمين، على 235 مقعداً، بنسبة 47.2% من المقاعد، يليه حزب النور بـ 123 مقعداً، بنسبة 24% من جملة المقاعد، واحتل حزب الوفد الجديد المركز الثالث، بحصوله على 38 مقعداً، وفاز ائتلاف الكتلة المصرية بـ 35 مقعداً،… وبلغ عدد الأحزاب الممثلة في المجلس 15 حزباً. غير أن هذا المجلس لم يستمر عملياً سوى خمسة أشهر، حيث قضت المحكمة الدستورية العليا في مصر في 14/6/2012 بعدم دستورية بعض مواد قانون انتخابات مجلس الشعب، وقضت بحله، وأكدت أن تكوين المجلس بكامله باطل منذ انتخابه.
كما أُجريت انتخابات مجلس الشورى في بداية سنة 2012، وتصدّر أيضاً التحالف الذي شكله حزب الحرية والعدالة المشهد بحصوله على 105 مقاعد، بنسبة 58.3% من المقاعد، فيما جاء تحالف حزب النور في المركز الثاني بعد حصوله على 46 مقعداً، بنسبة 25%، وجاء حزب الوفد في المركز الثالث بعد حصوله على 14 مقعداً، بنسبة 7.7%.
وجاء في الدراسة أن انتخابات 2015 شهدت اتّهامات عدّة بانتشار الرشوة الانتخابيّة خلال إجرائها، حيث انتشرت ظاهرة شراء الأصوات، وانتشر “رأس المال السياسي”، وكانت الرشوة الانتخابية الأكثر تأثيراً. وفازت قائمة “في حب مصر”، المؤيدة للسيسي، والتي تضم أحزاب المصريين الأحرار والوفد ومستقبل وطن، بـ 120 مقعداً، هي إجمالي المقاعد المخصصة للقوائم. وفيما فاز المستقلون بالعدد الأكبر من المقاعد المخصصة للفردي، والبالغ عددها 448 مقعداً، فقد عيّن السيسي 28 نائباً. وتصدر حزب المصريين الأحرار قائمة الأحزاب الفائزة، إذ حصد 65 مقعداً، موزعة على القوائم والفردي. وحلّ حزب مستقبل وطن في المركز الثاني، بعد حصوله على 50 مقعداً، فيما أعلن حزب الوفد حصوله على 45 مقعداً.
وفيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية فقد أشارت الدراسة إلى أن أول انتخابات رئاسية بعد ثورة 25 يناير جمعت بين 13 مرشحاً، ناهيك عن العشرات ممن لم يكملوا سباق الترشح لسبب أو لآخر، وكانت الأجواء تنافسية، حيث امتلك خمسة من المرشحين حظوظاً حقيقية في الفوز، وانتهى الأمر إلى جولة إعادة حاسمة خاضها مرشح حزب الحرية والعدالة محمد مرسي، مع آخر رئيس وزراء في عهد مبارك أحمد شفيق، وحسمت بفارق بسيط من الأصوات، حيث فاز مرسي بعد حصوله على 51.73% من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة، بينما حصل أحمد شفيق على 48.27%.
وكان إقبال المصريين كبيراً وواسعاً على المشاركة في هذه الانتخابات على أمل إنهاء المرحلة الانتقالية، حيث بلغت نسبة المشاركة في الجولة الثانية 51.85%، بعدما كانت 46.4% في الجولة الأولى. وحاول المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاستمرار في السيطرة والهيمنة على الحكم، من خلال إعلان دستوري مكمل، أصدره قبل إعلان نتائج الجولة الثانية، حيث حصن الإعلان أعضاء المجلس من العزل، ومنحهم حقّ تقرير كل ما يتعلق بشؤون القوات المسلحة إلى حين إصدار دستور جديد للبلاد، غير أن الرئيس مرسي أنهى هيمنة المجلس الأعلى بعد أقل من شهرين على استلام السلطة.
لكن هذا الحال اختلف كثيراً عن انتخابات الرئاسة 2014، والتي جرت بعد تطورات يراها مصريون مؤامرة وانقلاباً أطاح برئيس منتخب، ويراها مصريون آخرون ثورة على ما يصفونه بحكم جماعة الإخوان المسلمين. وفي أجواء استبعاد وملاحقة الإسلاميين وخصوصاً الإخوان حسم السيسي نتيجة السباق الرئاسي بأغلبية ساحقة مع حمدين صباحي، وحصل على 96.9% من الأصوات مقابل 3.1% لصباحي. وكان لافتاً للنظر نسبة مقاطعة الانتخابات، حيث تحدثت تقارير صحفية عن ضعف الإقبال. وشكل عزوف الشباب المصري عن التصويت عاملاً رئيسياً في ضعف المشاركة. وذكرت مراكز حقوقية أن سلطات الدولة المصرية تدخلت في العملية الانتخابية الرئاسية لتحسين نسبة الإقبال الضعيفة، ولمساعدة مرشح محدد، عبر التهديد الرسمي، أو غير الرسمي بغرامات انتخابية، أو تحويل المواطنين للنيابة العامة، وتمديد فترات التصويت ليوم ثالث، وتقديم رشاوي انتخابية.
وأظهرت الدراسة، أنه وبالرغم من المكاسب والنجاحات التي واكبت ثورة 25 يناير، فإن مسار الأحداث المصرية بعد عزل مرسي شهد أزمة حقيقية تعيشها البلاد، وبقي البلد خاضعاً للمؤسسة العسكرية، حيث رسّم قائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي سيطرته على مقاليد الحكم من خلال انتخابه رئيساً، في انتخابات ذكّرت العالم بالمشهد المصري قبل ثورة 25 يناير. وجعلت من النتائج التي وصل إليها تطور الأحداث أقل بكثير من طموحات الثوار، وآمالهم التي عقدوها على ثورة 25 يناير، وأقل بكثير من التضحيات التي قدّموها لإنجاحها، كما أنه لم يعد هناك ضمانات في حال فوز مرشح من خارج منظومة “الدولة العميقة”، ألا يتم الانقلاب عليه كما تمّ من قبل.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2016/7/21
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.