الوصف
أكدت دراسة صدرت عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، من إعداد باسم القاسم وربيع الدنان، وإشراف وتحرير د. محسن محمد صالح، أن الحياة السياسية والدستورية لم تكن ممهدة بشكل جدي وميسر أمام الرئيس محمد مرسي عند تسلمه مقاليد الحكم؛ حيث واجه مرسي معارضين ومناهضين لحكمه، عارضوه انطلاقاً من دوافع سياسية، أو أيديولوجية، أو صراع نفوذ ومصالح، ولم تتح له فرصة معقولة ديموقراطياً لتنفيذ البرنامج الانتخابي الذي فاز على أساسه، وكان بعض هذه القوى المعارضة ظاهر والبعض الآخر كان مستتراً في بنى ما يُعرف بـ”الدولة العميقة“.
وتأتي هذه الدراسة التي تحمل عنوان ”الأحزاب والقوى السياسية“، وهي الإصدار الثاني ضمن سلسلة دراسات تصدر تباعاً تحمل عنوان ”مصر بين عهدين مرسي والسيسي: دراسة مقارنة“، وتتناول الأوضاع السياسية والدستورية والأمنية والاقتصادية والإعلامية التي شهدتها مصر خلال عهدي الرئيسين.
وتقول الدراسة إن الرئيس مرسي اعتمد عند بداية حكمه على استراتيجية تتلخص في مسارين، المسار الأول، محاولة استمالة المؤسسة العسكرية التي كانت وما زالت تمسك بتلابيب الحكم في مصر، وتبنيه سياسة عدم الصدام المباشر معها؛ من أجل كسب المزيد من الوقت لتثبيت أركان حكمه وتفريغ الجهد الأكبر من أجل الإصلاح السياسي والإداري والقضائي للنظام.
أما المسار الثاني، فكان توجه مرسي نحو الأحزاب السياسية المعارضة والقوى الشبابية التي شاركت في ثورة 25 يناير، من أجل إيجاد أرضية وطنية مشتركة، قادرة على وضع خطة استنهاض وطنية شاملة، تؤسس لقيام نظام حكم ديموقراطي حقيقي، يلبي طموحات وأهداف ثورة 25 يناير، ويضع مصر على سُلّم التنمية البشرية والاقتصادية والسياسية لتحقيق دولة الرفاه والسيادة والحكم الرشيد.
وتضيف الدراسة أن المصالح والاعتبارات الحزبية الضيقة لعبت دوراً كبيراً في تنظيم العلاقة وسبل التعاون بين أحزاب المعارضة ومرسي؛ كما أن التباينات الكبيرة التي ميزت أغلب البرامج والرؤى التي كانت تحملها الأحزاب في مصر في تلك الفترة، أسهمت في إضعاف أي إمكانية لإيجاد أرضية خصبة للتوافق؛ ما أدى إلى وقوع الصدام في نهاية المطاف.
وتتابع الدراسة أن البيئة الداخلية لم تكن مساعدة لتحقيق سياسات مرسي، على العكس من حكم السيسي، فالجيش والمؤسسات الأمنية وأقطاب الدولة العميقة عمدوا إلى إيجاد بيئة غير متعاونة بل معرقلة داخل مؤسسات الدولة العسكرية والأمنية والإدارية والاقتصادي والإعلامية والقضائية، إضافة إلى التأثير الجلي داخل المؤسسات الخاصة بكل أشكالها خارج نطاق الدولة. ووجد عدد من الأحزاب والقوى السياسية المعارضة في هذه البيئة السياسية الداخلية فضلاً عن البيئتين الإقليمية والدولية، فرصة سانحة لتحقيق أهدافها في إفشال حكم مرسي، حتى ولو بدعم الانقلاب العسكري عليه.
وتضيف، أن الاختلاف كان واضحاً في سياسة تعامل هذه الأحزاب وسلوكها مع كلا الرئيسين، ففي الوقت الذي عارضت فيه الرئيس مرسي في عدة مواقف وقرارات، نجدها تساند بقوة قرارات الرئيس السيسي في المواقف والقرارات نفسها، وظهر ذلك بوضوح من خلال الوقفة القوية ضدّ مرسي حينما أصدر الإعلان الدستوري في نهايات 2012، فيما غضت الطرف عن العديد من التشريعات التي سنها السيسي، والتي كرست سيطرته وسيطرة العسكر وتراجع الحالة الديموقراطية، كما وقفت الأحزاب وقفة المعارض لمرسي في تعامله مع أزمة سدّ النهضة فيما أشادت بحكمة السيسي في التعامل مع الأزمة، بالرغم من أن السيسي لم يكن أكثر وطنية أو تشدداً من مرسي. كما طالبت الأحزاب بتواجدها في حكومة هشام قنديل بينما لم يكن لها تمثيل في أيّ حكومة شكلها السيسي حتى كتابة هذه السطور.
وتبين الدراسة أن هذه القوى والأحزاب لم تحرك ساكناً عندما أصدر الرئيس السيسي العديد من التشريعات التي قيَّد من خلالها الحريات ووضع العديد من السلطات الإدارية والتنفيذية والتشريعية في يده؛ فتولى سلطة التشريع في غياب البرلمان تحت ستار ما يحق له من قوانين في الحالات الاستثنائية.
وكانت أبرز القوانين والتشريعات التي أصدرها السيسي، قانون الانتخابات الصادر في حزيران/ يونيو 2014، والذي قلص فرص الأحزاب الليبرالية التي نشأت بعد الثورة، حيث إن نظام التصويت الجديد فسح المجال للنخب القديمة للعودة من جديد، كما صدر قانون الجامعات في حزيران/ يونيو 2014، الذي منح للسيسي سلطة تعيين وفصل رؤساء الجامعات، وسمح له، على غرار مبارك، بالسيطرة على الجامعات.
بالإضافة إلى قانون الجمعيات الأهلية الصادر في أيلول/ سبتمبر 2014، الذي فرض مزيداً من القيود على الجمعيات الأهلية، وتضمن أحكاماً بالسجن مدى الحياة حال تلقي أموال من جهات أجنبية بهدف ”الإضرار بالمصالح الوطنية“، وقد أثار القانون حفيظة الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدني، والتي تعتمد في تمويلها على مصادر التمويل الخارجي.
على النقيض من ذلك، وجدت هذه الأحزاب والقوى في قرارات مرسي وإصداراته الدستورية فرصة لتدعيم عضد هذه المعارضة ورصّ صفوفها، فأطلقت موجة تحريض غير مسبوقة ضدّ النظام القائم آنذاك، مستغلة حالة التقاطع في الأهداف مع المؤسسة العسكرية والدولة العميقة، إضافة إلى استثمار حالة العداء أو غير الرضى التي أظهرتها القوى الإقليمية والدولية تجاه مرسي.
وتوضح الدراسة أنه على الرغم من انتهاج النظام في عهد السيسي سياسة الإقصاء والقمع في حقّ خصومه ومعارضيه، خصوصاً جماعة الإخوان المسلمين، واستمرار رفعه شعار ”لا مصالحة مع الإخوان“، إلا أن المعارضة السياسية وعلى رأسها الإخوان استمرت في ممارسة الضغط المتصاعد على النظام، من خلال الشارع، في ظلّ عدم قدرة النظام على الوفاء بالتزاماته تجاه الشعب؛ فالأوضاع الاقتصادية، والأمنية، والسياسية، ازدادت سوءاً يوماً بعد يوم.
وتتابع أن الانقلاب مهد لاستنساخ معارضة شبيهة بمعارضة الرئيس المخلوع حسني مبارك، عبر إقرار تعديلات على قانون مجلس النواب الجديد الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور قبل تسليمه السلطة للسيسي، وتمّ تعديله في قانون أصدره الرئيس عبد الفتاح السيسي في 29/7/2015.
وتضيف الدراسة أن قانون الانتخابات التشريعية الذي وُضع في عهد السيسي، أدى إلى إضعاف الأحزاب، حيث منح الأفراد المستقلين حقوقاً مساوية للأحزاب في التنافس على 448 مقعداً، مع الإشارة إلى أن القانون الجديد الذي صدر في 5/6/2014 أي قبل تعديله في 29/7/2015، كان قد نصّ على أن 420 عضواً يُنتخبون بالنظام الفردي و120 بنظام القوائم؛ أي أن زيادة 28 عضواً على الفردي أتى على حساب تقليل نسبة حصة الأحزاب في المجموع الكلي لعدد النواب في المجلس.
وقد أدت نتائج الانتخابات التشريعية إلى عدت متغيرات سياسية منها: عودة بعض رموز الحزب الوطني في إطار العديد من الأحزاب التي نشأت بعد الثورات المصرية، وفي إطار الترشح كمستقلين عن القوائم الفردية، وغياب الأحزاب المعارضة الوازنة ذات الثقل الانتخابي والتمثيلي، حيث بات البرلمان الجديد مشكلاً من فسيفساء أحزاب لا تقوى على تشكيل معارضة قوية، بسبب تشتتها وولاء أكثرها للنظام الحاكم، وسيطرة أحزاب رجال الأعمال على العدد الأكبر من المقاعد التي حصلت عليها الأحزاب، وتقدم حصة المستقلين من حيث الشكل لأن الكثير منهم محسوبون على النظام السابق، حيث بلغت حصة النواب المستقلين المنتخبين 322 نائباً بنسبة 56.7%، وممثلو الأحزاب حصلوا على 246 مقعداً بنسبة 43.3%، بينما حصل حزب الحرية والعدالة في انتخابات 2012 منفرداً على 235 مقعداً، بنسبة 46.3% من إجمالي مقاعد مجلس الشعب البالغ عددها آنذاك 508 نواب.
كما فشل 26 حزباً من أصل 42 حزباً، خاض مرشحوها الانتخابات التشريعية في حصد أي مقعد، وفي مقدمتهم: التحالف الشعبي الاشتراكي، والكرامة، والغد، والجيل، ومصر العروبة، والعربي للعدل والمساواة.
وفي ما يتعلق بالعوائق والتدخلات الخارجية في وجه مرسي، فتقول الدراسة إن هذه العوائق تمثلت في رفض العديد من الدول العربية التعامل الجدي مع نظام مرسي ودعمه مادياً؛ فقد رفضت هذه الدول مخرجات الربيع العربي وخافت من انتقال عدواه إليها، كما وجدت في ”الإسلام السياسي“ تهديداً لمصالحها؛ فدعمت الثورة المضادة والانقلاب على مرسي، واعترفت بنظام السيسي سياسياً وساعدته اقتصادياً. كما وقف المجتمع الدولي متفرجاً على الأحداث التي وقعت في مصر بعد الانقلاب، وكان ما يعنيه هو مصالحه الخاصة، وليس تحقيق الديموقراطية واحترام الشرعية خصوصاً عندما تأتي بـ”الإسلاميين“.
وختمت الدراسة بالتأكيد على أن الكثير من مكتسبات ثورة 25 يناير تبخر بعد انقلاب 3 يوليو؛ فالحريات أعيد تقييدها، والأحزاب بعضها زُج بقيادتها في السجون، وهُمّش البعض الآخر وحُجّم وأقصي وتمّ استئصال القوى التي قادت المسار الديموقراطي، كما تمّ قمع فريق من المؤيدين، بالإضافة إلى عسكرة مفاصل الدولة، ومحاولة إنتاج معارضة جديدة مصطنعة. وبذلك دخلت البلاد في أزمات خطيرة أثرت على مكانتها ومستقبلها.
مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، 2016/8/11
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.